عندما تقع أزمة بين صديقين أو زوجين أو بلدين تحدث حالة من كشف ما كان مستوراً بين الطرفين قبل الازمة فتظهر ضعفات كل طرف حيث كانت وحدتهما أو حياتهما معا تغطى عليها ويظهر أسلوب للتعامل هدفه هزيمة الآخر أو فضحه أو القضاء عليه بعد ما كانت السياسة السابقة هي الحفاظ على الآخر والدفاع عنه بكل الطرق وبناءً على هذه القاعدة يكون المستور هنا هو ما كشفته أزمة سوريا سواء ما كان بين الأخوة العرب أو مع دول الإقليم أو دول العالم.
لقد بدأت الأزمة بقرار رئيس سوريا بشار الأسد بقمع التظاهرات التي اندلعت مطالبة باستقالته وبعد التشاور مع الحليف الإيراني الذى أوصى باستخدام أقصى قدر من القوة على الطريقة الإيرانية التي استخدمت لقمع الانتفاضة الإيرانية ونجحت في ذلك، فقام بشار بقمع شعبه بشراسة شديدة، هذا الموقف كشف الكثير من المستور الذي نلخصه فيما يلى:
الأول كشف عجز القوى العربية حيث وضح نوع من التخبط في معالجة الازمة والذى وصفه أحد المحللين ب “التهتهة السياسية” مما دعى القوى الإقليمية (تركيا وايران) والعالمية بدءاً من أوروبا وانتهاء بروسيا مروراً بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على عجز واضح للعرب في حسم الصراع والذى تسبب عدد منهم فيه بتمويلهم مليشيات إرهابية تابعة لهم لتصفية حسابات قديمة مع النظام السوري؛ ومن هذه الدول السعودية وقطر وتركيا، أما المستور الآخر الذى كُشف فهو تقسيم الإرهابيين إلى إرهابيين معتدلين وغير معتدلين وقد اطلق هذا التعبير في مصر موجة من النكات سخر بها رجل الشارع ذلك لأن تعبير الإرهابي المعتدل يحمل تناقضا في ذاته، وعلى شاشات التواصل الاجتماعي كانت محاولات الشرح أن الإرهابي المعتدل هو الذي يقتل (بحنية) دون أن يحرق أو يذبح مثل الإرهابي غير المعتدل، وفي قول آخر أن الإرهاب المعتدل هو الذي ينتمي إلى مخابرات دولة عربية صديقة أما غير المعتدل فهو الذي ينتمى إلى دولة غير عربية … إلخ. وكانت أمريكا هي أول من أطلق هذا التعبير وأرسلت لمن اعتبرتهم معتدلين تمويلا مادياً وأسلحة فقاموا بتقديمها لجبهة النصرة وانضموا إليها. وعندما تفكر مخابرات دولة كبرى أو رئيس كأوباما بهذه الصورة فهذا يعنى أنه تماما خارج الصورة وقبل أن يقول ويتصرف بهذا الأسلوب كان – على الأقل – مستورا بهيلمان الرئاسة الأمريكية ومخابراته.
أما المستور الثالث فقد كان الفصل بين النظام و رأس النظام و هو ما أثير في جلسة الثمانية عشر طرفا في فيينا وهو فصل قدمه جهابذة سياسيين ينم عن سذاجة سياسية إن ما حدث مع صدام حسين في العراق بالقضاء عليه ثم تسريح جيشه لم يقض على نظامه؛ فعندما انسحبت القوات الأمريكية والبريطانية من العراق تعرضت إلى هجمات شرسة رغم وجود خمسمائة عنصر امريكي وبريطاني كمستشارين للقوات العراقية وباقي جيش صدام انضم إلى داعش وعندما سؤل وزير خارجية روسيا في الأمم المتحدة لماذا أنتم متمسكون ببشار كانت إجابته في صيغة أسئلة: هل العراق في وضع أفضل بعد رحيل صدام حسين؟ وهل ليبيا في وضع أفضل بعد رحيل القذافي؟
لذلك فالذين ينادون برحيل الأسد يشخصنون قضية هي أخطر كثيرا من أي خلاف شخصي ويطلق على هذه النوعية من التفكير (الخلط بين الشخصي والموضوعي) فالربط بين الموضوع والشخص شيء والخلط بينهما شيء آخر. وقد وضح ذلك من تصريحات وزير خارجية السعودية الذي يصر في كل اجتماع على تحديد موعد لترك بشار السلطة، وفي سبيل ذلك قبل الجلوس لأول مرة في التاريخ مع وزير خارجية إيران وقد كان هذا من ضمن المحرمات وكانت الشخصنة واضحة أيضاً عندما طلب ملك السعودية من أوباما تكوين جيش سني لمحاربة النظام.
وهذه الشخصنة في القضايا العامة من سمات الحضارة العربية وهو ما يتجلى عندما تقع مأساة كما حدث نتيجة نوة الإسكندرية مؤخرا من خسائر وضحايا فتم إعفاء المحافظ من منصبه وهكذا استراح المسؤولون وكثير من الناس لكن المشكلة لم تحل، كذلك تم إيقاف المذيعة التي عالجت مشكلة التحرش (فتاة المول) بخرقها لميثاق الشرف الإعلامي دون علاج للقضية الأصلية، لكن الغريب أن الناس يستريحون وكأن القضية انتهت والمشكلة حلت وهذا عجيب!!
أما المستور الرابع الذى كشف فهو الدور الإسرائيلي في هذه اللعبة، في منتصف سبتمبر الماضي كان هناك لقاء بين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ومعه وفد عسكري وأمنى رفيع المستوى ورئيس المخابرات، وفي هذا الاجتماع تم التوافق بين روسيا وإسرائيل حيث أخطر الروس الإسرائيليين مسبقا قبل تنفيذ الضربات الجوية وقد نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن مسؤولين روسيين اتصلوا بمستشار الأمن القومي الإسرائيلي وآخرين في الدولة قبل ساعة من قيام طائرات روسيا بقصف مواقع في سوريا حددتها بالضبط، وقد قدم بوتين ضمانات موثقة بأنه لا هو ولا إيران عازمان على فتح “جبهة أخرى” ضد إسرائيل في الجولان. ولقد أوضح الجانب الإسرائيلي خشيته من وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله، ليس هذا فقط بل كان ومازال هناك تنسيقا استراتيجيا وتبادل معلومات يتم على قدم وساق وذلك بإطلاق قناة اتصال لتبادل المعلومات حول تطورات الأوضاع في سوريا وقد أعلنت وزارة الدفاع إقامة “خط مباشر” بين مركز قيادة الطيران الروسي ومركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، بل وصل الأمر إلى تدريبات عسكرية مشتركة وهذا ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية بأن هناك برنامجا للتدريبات العسكرية المشتركة يستهدف توفير الأمن للطيران العسكري لكلا البلدين في الأجواء السورية.
أما المستور الأخير الذي كشف فقد كان “الاستراتيجية الأمريكية” فمنذ حصول أوباما في بداية حكمه على جائزة نوبل للسلام وهو يريد ألا يجعل من قدموها له يندمون لذلك ظهر في حالة كر وفر بين السلام والتهديد بالحرب حتى وصل إلى نقطة (اللاستراتيجية). إن تردد أوباما هو الذي دفع بوتين أن يتقدم ويملأ فراغ اللادور الأمريكي ولقد حاول أوباما أن يعطى اللاإستراتيجية مصطلحا إيجابيا حديثا فأسماه “الصبر الاستراتيجي” من نحو ما يحدث في الشرق الأوسط وقد رد عليه أحد المحللين العسكريين بالقول “إن الغموض قد يخفى استراتيجية لكنه قد يعنى أيضا عدم وجود أية استراتيجية“.
بجلوس ثمانية عشر طرفا ليس من بينهم سوريا (نظام ومعارضة) على مائدة مفاوضات واحدة في فيينا وضح أن هناك تخبطاً شديدا فهذا العدد من المستحيل أن يتوافق على حل جذري ربما يضع مبادئ وهذا تم شكلاً وذلك لأن المطلوب أساساً هو تقرير مصير سوريا بطريقة تغير واقع المنطقة، فالتقسيم لن يقتصر على سوريا، فأكثر المحللين يتحدثون أنه لا مكان اليوم لحدود سايكس بيكو، وسوف ترسم حدودا جديدة لمعظم دول المنطقة بما فيها الدول التي تظن أنها بعيدة كل البعد عن ذلك. فخريطة الشرق الأوسط الجديد والكبير الذي تقوده إسرائيل وإيران يلوح في الأفق بعد استبعاد تركيا والتي كانت المرشحة الثالثة للقيادة بسبب دورها المشبوه.
CNN موقع —