نشرت صحيفة “نوفيل أوبسارفاتور” الفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن ذكرى الحرب اللبنانية التي عصفت بلبنان، والتي امتدّت من سنة 1975 إلى سنة 1990، حيث اجتاحت الأخبار اليومية والأحداث المتعلقة بالحرب مواقع التواصل الاجتماعي لتؤكد معاناة اللبنانيين خلال تلك الفترة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21“، إن جورج بستاني، أحد اللبنانيين الذين عاشوا ويلات الحرب، كان يبلغ من العمر سبع سنوات حينما بدأ بتوثيق كل الأخبار المتعلّقة بالحرب الأهلية، وهو يملك الآن مكتبة مليئة بالذكريات القاسية، وصفحة على “فيسبوك” ينشر فيها ما عايشه المجتمع اللبناني من ويلات الحرب منذ 40 سنة.
وقال بستاني إنه “مع إعادة قراءة الأمور تدريجيا، أعتقد أنه يمكننا أن نفهم ما لم نفهمه أيام الحرب”.
وقد جمعت ذكرى الحرب كلا من جورج بستاني وخير الدين الأحدب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمتلكان معا أرشيفا ضخما يحتوي على صور ومقالات ومقاطع فيديو ومقابلات تلفزيونية صدرت خلال الحرب الأهلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصفحات التي يديرها كل من بستاني وأحدب يصفها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بالنافذة التي فُتحت على الماضي، والتي يرغبون من خلالها في معرفة الكثير عن الحرب التي فكّكت المجتمع اللبناني ودمّرت البلاد على مدى 15 سنة.
فقانون العفو العام، الذي دخل حيّز التنفيذ في اليوم الموالي لاتفاق السلام الذي أعلن في البلاد، ساهم في محو الجرائم التي ارتكبت آنذاك دون الأخذ بعين الاعتبار القتلى الذين سقطوا خلال الحرب، ودون الحكم على الجرائم المرتكبة بتعلّة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وأضافت الصحيفة أن فترة الحرب الأهلية التي امتدّت من سنة 1975 إلى سنة 1990 لم يتمّ ذكرها في المناهج التعليمية في لبنان، في محاولة لطمس ذكرى الحرب التي خلّفت أكثر من 150 ألف قتيل.
وعلق بستاني قائلا: “نحن نعاني من غياب تاريخنا ومن إعادة إنتاج الأخطاء السابقة نفسها”.
وبيّنت الصحيفة أن قانون العفو العام صبّ في مصلحة السياسيين المتورّطين في هذه الحرب، حيث ساعد على محو جرائمهم ودفعهم إلى أن يتحولوا من مجرمين إلى قادة سياسيين مسؤولين عن مؤسسات الدولة.
وقال بستاني: “إنهم يبدون مثل المجرمين الذين يحاولون باستمرار محو سجلاتهم الجنائية، فهم لا يسمحون لنا بالوصول إلى تاريخنا ويتّبعون سياسة التدمير الطوعي والممنهج”.
وصرح العسكري السابق في الجيش والرئيس الحالي لمؤسسة المحفوظات الوطنية، لقمان سليم، أنه “حتى خلال أوقات الحرب لا يتم اختيار الأهداف عشوائيا، فقد استهدفت مؤسسة المحفوظات عدة مرات”. وأضاف: “التحدي يتمتل في ذاكرة العدو، وأن السعي إلى تدمير الآثار الخطية لماضي الطرف المقابل ما هو إلا نوع من أنواع الإبادة”.
وبدأ لقمان سليم بالاهتمام بالأرشيف حينما قرر تنفيذ شريط وثائقي حول ستة مسلحين شاركوا سنة 1982 في مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت، حيث قُتل بين 700 و3000 فلسطيني في غضون ساعات قليلة، فلم يجد أية وثيقة تاريخية يستند عليها، وهو ما دفعه إلى جمع أرشيف حول تاريخ لبنان الحديث.
وقد تأسّس مركز البحث والتوثيق سنة 2004 في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن مهامه جمع الوثائق الموجودة، وإنشاء وتسجيل شهادات جديدة، ورفع مستوى الوعي العام من خلال المؤتمرات والمعارض والعروض. كما أنشأ لقمان سليم قاعدة بيانات عامة ومجانية باللغتين العربية والإنجليزية، تحت عنوان “الذاكرة في العمل”، تحتوي على معلومات تتعلّق بالمفقودين خلال الحرب الأهلية، فضلا عن خريطة تفاعلية للمقابر وقائمة بجرائم القتل والاغتيالات السياسية التي حدثت في لبنان.
وفي هذا السياق، قال سليم إن “هذا العمل، بالنسبة لي هو وسيلة للتعبير عن نفسي، خاصة وأن قاعدة البيانات هي في كثير من الأحيان المصدر الوحيد المتاح لمثل هذه المعلومات”.
ونقلت الصحيفة أن اللبنانيين حاولوا تجسيد الحرب بكلّ الطرق، حتى من خلال الفنّ. فعلى سبيل المثال، قرر نعيم فرحات اللبناني المهاجر في الولايات المتحّدة جمع الأعمال الفنية والصور المتعلّقة بالحرب الأهلية.
وبمساعدة فريق من لبنان، أنشأ فرحات “بنك الصور” وأصبح بحوزته حوالي 400 ألف صورة مرتبة زمنيا، تروي قصة تاريخ لبنان.
وبيّنت الصحيفة أن مثل هذه المبادرات من شأنها أن تكون بمثابة الفرصة التي تسمح للبنانيين باستعادة جزء من ماضيهم الذي أصبح محفورا في الذاكرة الجماعية.
عربي 21