أجرى باحثون تجربة تكييف كلاسيكية باستخدام نمل الخشب، وهي حشرة مشهورة بالملاحة البصرية، ووجدوا أن التعزيز الممنوح لقرن الاستشعار الأيمن يسبب ذكريات قصيرة المدى، في حين أن التعزيز الممنوح لقرن الاستشعار الأيسر يسبب ذكريات طويلة المدى.
وأفاد الباحثون -في دراستهم المنشورة بمجلة “وقائع الجمعية الملكية البريطانية بـ: العلوم البيولوجية” (بروسيدينغ أوف رويال سوسايتي بي) في 6 مايو/أيار الجاري- بأنه إذا كانت هذه الأنواع المختلفة من الذاكرة يتم تخزينها بالفعل على جوانب مختلفة من دماغ النملة، فإن ذلك يشير إلى أن التخصيص الجانبي للذاكرة ربما يكون قد تطور عدة مرات في الماضي البعيد.
نمل الخشب
نمل الخشب هو نوع من فصيلة النمل، يتجاوز طوله ست مليمترات، ويبني أعشاشه عند قاعدة الأشجار الصنوبرية ضمن مستعمرات قد تضم أكثر من ثلاثمئة ألف نملة.
يتألف عش نمل الخشب من متاهة من الحجرات والأنفاق تحت سطح الأرض، ويتغذى على البذور والحيوانات اللافقارية، وينتشر في أوروبا، ويستوطن الأحراج والغابات.
ورغم أننا نعتقد أن دماغ الإنسان خاص ومتفوق، ولكن حتى أصغر العقول على الأرض -مثل عقل نملة الخشب- تظهر أحيانا تشابهات ملحوظة بأدمغتنا.
ويقترح البحث الجديد أن نمل الخشب يخزن ذكريات قصيرة وطويلة المدى على جوانب مختلفة من أدمغته، وعندما يخزن الذكريات البصرية في أدمغته، فإنه يخرق قواعد التماثل.
فعلى ما يبدو فإن أحد جانبي دماغه يخزن ذكريات قصيرة المدى، بينما يحتفظ الجانب الآخر بها لفترة أطول، ويُعرف هذا بالاتجاه الجانبي العصبي، ويبدو أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بتكوين الذكريات في الحيوانات.
سُمِح لنمل الخشب بلمس قطرة من السكر بقرني استشعاره قبل تذوقه وتم تدريبه على الاستجابة للإشارة البصرية (بيكسابي) |
أول عرض
الذاكرة البصرية نوع من أنواع الذاكرة التي تصف العلاقة بين الإدراك البصري، والتخزين العقلي، والقدرة على استرجاع المشاهد المخزنة، وتؤدي إلى تكوين صور ذهنية في العقل، ومن الممكن استردادها مجددا ضمن نظم معرفية وعقلية ترتبط بالذاكرة الذهنية.
في الأدمغة البشرية -على سبيل المثال- تقتصر الذاكرة المكانية والمعالجة الموسيقية بشكل أساسي على الجانب الأيمن، في حين تكون اللغة في الغالب على الجانب الأيسر، رغم وجود الكثير من التواصل والتقاطع بين الجانبين، وربما ينطبق الشيء نفسه على نمل الخشب.
وكتب الباحثون “حسب معرفتنا، هذا هو العرض الأول لتكوين ذاكرة بصرية جانبية في حشرة، مع آثار واسعة النطاق لفهمنا للذكريات البصرية في الحشرات وتطور التخصيص الجانبي في تكوين الذاكرة”.
مكافأة السكر
للوصول لتلك النتائج عرض الباحثون جسما أزرق، وسُمِح لنمل الخشب بلمس قطرة من السكر بقرني استشعاره قبل تذوقه، وتم تدريبه على الاستجابة للإشارة البصرية، ثم تم اختبار هذا الارتباط بعد عشر دقائق وساعة ويوم كامل.
مثل تجربة كلب بافلوف الشهيرة، التي وجد فيها أن الكلب يسيل لعابه كلما ضرب الجرس دون أن يقدم طعاما للكلب، فإذا مدّ النمل أفواهه عند رؤية الجسم الأزرق، فقد اعتبر ذلك علامة على العطش.
في النهاية، عندما تم تدريب النمل باستخدام قرن الاستشعار الصحيح فقط، أظهر العطش في عشر دقائق مع تأثير ضعيف تدريجيا مع مرور الوقت.
من ناحية أخرى، لم يظهر النمل المدرب باستخدام قرن الاستشعار الأيسر فقط أي استجابة في عشر دقائق أو حتى في ساعة، ولكن أظهر علامات قوية على العطش بعد يوم واحد.
وكتب الباحثون “نوضح أن الاتصال القصير بين مكافأة السكر وقرن الاستشعار الأيمن أو الأيسر يكفي لإنتاج ذاكرة محيطة، رغم أن الإشارة المرئية ظاهرة للنمل طوال وقت التدريب والاختبار”.
العلماء أثبتوا أننا لسنا النوع الوحيد الذي يحمل نصفين متميزين في رؤوسنا يتخصان في وظائف وسلوكيات مختلفة (بيكسابي) |
وظائف الدماغ
لفترة، اعتقد العلماء أننا النوع الوحيد الذي يحمل نصفين متميزين في رؤوسنا، وكل منهما متخصص في وظائف وسلوكيات مختلفة.
الآن، نحن نعلم بشكل أفضل أن عدم تناسق وظائف الدماغ ينتشر بين الفقاريات، وقد ظهر مبكرا جدا في تطورها، وقد ينطبق ذلك على اللافقاريات أيضا.
من دون معرفة المزيد عن سلالات الحشرات من الصعب القول إذا كان التموضع الجانبي للذاكرة قد تطور بشكل مستقل في النمل والنحل الاجتماعي، وما إذا كان موجودا في أنواع الحشرات الأخرى.
نقلا عن الجزيرة