في الرابعة عشر من عمري أٌسر والدي وانتقلنا للعيش مع أختي في حي الشّعار بمدينة حلب، إلاّ أنّ القصف المتكرر أنهك المنطقة.
هل يمكن أن تصادر أملاكك دون علمك، كيف يؤثر قانون الإرهاب على المتهمين وعوائلهم؟؟
تحكي روان حادثة رسخت في ذهنها، قائلة “كنت أكمل دراستي رغم أسر النظام لوالدي، بعد انتقالنا لمنزل أختي وأولادها، لفتت نظري فتاة تفتح الورد على وجنتيها، وضفائرها الذهبية ترقص مع خطواتها، كانت في السابعة من عمرها”.
“أراها يومياً أثناء ذهابي وإيابي من مدرستي، وأسمعها تردد آياتٍ حفظتها في جامع الحي، ولا أدري ابنة من تكون ولم أسألها عن اسمها حتى، واسميتها ذات الضفائر الذهبية”.
تروي روان وتتلعثم كلماتها وتذكر أياماً حفرت في ذاكرتها “كثر دوي الانفجارات، ولم يفارق الطيران السّماء فوقنا، قصف عشوائي، دخان، أصوات نساء وأطفال، وسيارات إسعاف، حالة من الهلع، نزلت أتفقد أولاد أختي كانت أرسلتهم لشراء الخبز، ليوقفني مشهد غير معهود لي”.
أحسستُ أنّ روان انتقلت إلى ذلك اليوم، واقفةً أمام الحدث وهي تقول “القصف كان على الجامع الذي يتدارس فيه أبناء وبنات الحي، وقفت أشاهد أشلاء الأطفال ودماء وردية طاهرة ملأت أرجاء المكان، والأصوات من حولي تتعالى: “يا أهالي الحي حد يجي يتعرف على الأولاد، الكثيرون استطاعوا معرفة أطفالهم، إلا ذات الضفائر لم يعرفها أحد ولا أحد يعرف اسمها وغطيَّ وجهها بأوراق الجرائد ليومٍ كامل، ومن ثمّ دفنها العاملون بالدفاع المدنيّ”.
تكمل “نسيت سبب نزولي الرئيسي، وعدت منزل أختي التي تنتظرني لأطمئنها على أولادها، فتحت الباب لي لأجد أولادها عادوا سالمين، بعد أن خبأهم أحد الرجال بمحله وأوصلهم بعد هدوء الأجواء قليلاً، جميعهم يكلّموني أين ذهبتِ!!! لماذا شحب وجهك!!! لم أعِ أحداً، لم يُرسم في ذهني غير الفتاة ودماؤها”
كانت هذه الفتاة بنظر روان كفتاة الحكايات التي تكون نهايتها رائعة، لكن حكاية ذات الضفائر انتهت بموتها، فكم طفلاً قتله القصف الظّالم لنظام ظالم بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى!!!!!
ففي تقرير سجّلته الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخراً في أواخر العام الماضي 2020، ما لا يقلّ عن 28 ألف و262 طفلاً قتلوا في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011؛ من بينهم قرابة 23 ألف طفل قتلوا على يد قوات النظام والميليشيا التابعة له.
بقلم: فاطمة براء
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع