“النغل” في اللهجات الخليجية تقال للماكر الداهية الذي لا يجاريه في المكر والكيد أحد.
يوم 22 كانون الأول خرج ديمستورا مزهواً منتصراً على الإعلام في زينته وأناقته… خرج مزهواً لأن كل ما قاله قد تحقق وخرج منتصراً لأن مبادرته التي افتتح بها عمله في سورية قد تحققت في النهاية “حلب ولا شيء غير حلب”, وقال ديمستورا بكل عري ووضوح ” إن المدنيين خرجوا إلى إدلب التي ستكون حلب الثانية”
كان ديمستورا خلال سنتين كلما لفتوا انتباهه إلى مناطق أخرى غير حلب أقرب للعاصمة كان يستمع بإنصات و إمعان ولكنه كان يجيب “حلب أولاً” وإذا قيل له السوريون يريدون حلاً شاملاً وليس حلاً جزئياً قال “حلب ونعمم التجربة” ولمّا ضغطت عليه بعض الأطراف الدولية و الإقليمية ليعط شيئاً آخر لمّا تجمّدت مبادرته عن تجميد القتال في حلب ألقى إليهم مشروعاً معقداً من ثلاث مراحل وطبع أسئلة امتحانيه لطرفي التفاوض وفتح وقت تسليم اوراق الامتحان, وعاد إلى طرح “حلب” التي لم تغادر ذهنه ولا تدبيره.
ديمستورا مقلّ وثقيل في الظهور الإعلامي ولا يخرج للإعلام إلا وعنده شيء يُعلن عنه …. ديمستورا ساعد كثيرا في الجولة العسكرية الأخيرة التي قادتها روسيا جواً وإيران براً في الشهرين الاخيرين…
يبدو أن ديمستورا لم يكن موظفاً أممياً عادياً ولا صاحب دور شكلي ضعيف كسابقيه …لقد كان مؤثراً وفاعلاً ويعرف كيف يحل الأمور والأزمات بطريقته الخاصة التي امتلكها عبر تاريخه الدبلوماسي الطويل وعبر اشتغالاته وانجازاته في الدهاليز الدولية المضيئة والمعتمة لمدة طويلة.
ديمستورا له صلات واسعة ورفيعة المستوى…ديمستورا يملك أصدقاءَ كثر في كل الأنحاء المؤثرة في العالم يساعدونه لمرة واحدة أو لمرات…ديمستورا قريب من الإدارة الأمريكية والإدارة لا تتجاهل توصياته غالباً.
وقد انجز ديمستورا لهذه الإدارة في السابق أمورأً كثيرة في العراق بعد الاحتلال. وكان عراب الديموغرافية الجديدة في بغداد التي سهلت السيطرة على العاصمة المحاطة بحزام سنّي معارض عريض وهو من تلاعب بإحصائيات الأمم المتحدة حول التعداد السكاني للمكونات العراقية المختلفة وكان لذلك الأثر في توزيع مقاعد البرلمان…وكل ذلك كان بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية في العراق.
وحول سورية…كان ديمستورا قريباً جداً من آذان أوباما… وفي نفس الوقت كان قريباً من مواقع القرار في روسيا…واقترب من الايرانيين كثيراً ونسق معهم علناً ولم يرفض دورهم ولم يحتج على تدخل ميليشياتهم في سوريا مرة واحدة بل أكد دائماً وعلناً على ضرورة الدور الإيراني…
وكان ديمستورا المبعوث الأسرع تفاهما وتناغماً مع موظفي بشار الأسد في الخارجية وأجهزة المخابرات…
ديمستورا في سوريا كان موظفاً متعاقداً شريكاً في شركة ضخمة تأسست وتعاقدت للإبقاء على بشار الأسد ونظامه.
ويبدو أن ديمستورا رجل فريدٌ و جادٌّ للغاية إذا استلم مقاولة لإ يتركها بدون إنجاز كامل مهما كان الثمن ويبدو أنه بعد فشل مبادرته العتيدة عن حلب راح يُنسق سراً مع روسيا وإيران ونظام بشار, ومن المحتمل أنه قد أشار إليهم بالحسم العسكري في حلب لكسر الجمود بعد أن رفضت كل المعارضة خطته في حلب, والمدهش أن ديمستورا بعد هذا الرفض زار دمشق و العواصم الراعية لبشار الأسد أكثر من عشر مرات .
ديمستورا كان له دور بالتحريض العلني للقبول باجتياح حلب بمدنييها ومقاتليها عندما أعلن بشكل غريب أن نصف المقاتلين في حلب هم من جبهة فتح الشام وكان في ذلك رسالة لأميركا وأوربا لتترك كل التحفظات بشأن نوع الخيار العسكري الروسي الايراني الذي يعتمد على سحق المدنيين كحاضنة شعبية للمقاتلين, ثم راح يتخبط أو يتعمد في تقدير الأعداد فذكر خمسة آلاف مقاتل لفتح الشام ثم ذكر رقم 900 ولم يكن عددهم في الحقيقة يجاوز المئتي مقاتل….
وروج ديمستورا بقوة لموضوع خروج المقاتلين من حلب وعندما جلس مندوبو أكبر الفصائل مع الروس في أنقرة وقالوا :نوافق على خروج مقاتلي فتح الشام من حلب ,بل نوافق على أن نجبرهم بالقوة على ذلك إن رفضوا المغادرة, فوجئوا بالرد الروسي:” نريد خروج كل المقاتلين , بل نريد خروج كل المقاتلين مع المدنيين…نريد حلب فارغة وإلا فستستمر العمليات”.
عندها أيقن الجميع أن فتح الشام في تدبير الروس لم تكن إلا الثور الأبيض وأن الجميع أُكل وانتهى الأمر.
وأثناء القصف الجوي والصاروخي على حلب وأثناء هجوم الميليشيات من كل حدب وصوب ورغم الانتهاكات الفظيعة الفاضحة التي ارتكبتها فقد كان ديمستورا غائبا إلى حد كبير باتجاه فعل أي شيء لوقف هذه الانتهاكات, ولكنه لم يكن غائباً أبداُ عن العمليات وتطوراتها وكانت تصريحاته أثناء المعارك تدل على أنه مطّلع وقريب جداً لدرجة أنه قد ذكر موعد نهاية العمليات العسكرية وقال “سينتهي كل شيء قبل نهاية هذا العام.
وها هو يشير اليوم إلى الخطوة العسكرية القادمة لشركائه…..إنها “إدلب حلب الثانية”….كان لابد أن يذكر ذلك رغم ما تثيره هذه الكلمات الفاضحة من شكوك وتكهنات, فجزء من المقاولة الكبرى أن يكون مشهد حلب الدامي حاضراً وأن يؤدي هذا المشهد وتداعياته النفسية والانسانية إلى الانهيار….انهيار الثورة السورية….انهيار نفسي ومعنوي لازم ومطلوب لتوقيع معاهدة الاستسلام وحينها يتقاعد ديمستورا الذي سيبلغ السبعين من عمره بعد شهر بعد أن يكون قد سجل مرتبة غير مسبوقة كأنشط وأكفأ مبعوث دولي ينجز مهمته بطريقته الخاصة البعيدة تماماً عن قيم ومبادئ الأمم المتحدة المعلنة.
تتبعوا هذا السويدي الايطالي الأممي “النغل”, ولا تنسوا أن “النغل” في اللهجات الخليجية هو الماكر الداهية خليط النسب ولن يتفوق على ديمستورا في هذا الوصف أحد أبداً.
د. أسامة الملوحي