كشف موقع “ديلي بيست” في تقرير أعده جيسي روزنفيلد من سهل البقاع اللبناني، عن أن الكثير من مقاتلي حزب الله، الذين اعتمد عليهم نظام بشار الأسد، لمواجهة المعارضة والبقاء في السلطة، يرفضون الخدمة في سوريا.
ويقول الكاتب: “لقد انضموا لقتال إسرائيل في لبنان، ولكنهم بعد عدد من الرحلات القتالية في سوريا، من حلب إلى إدلب واللاذقية وحول دمشق، أخبر المقاتلون الاحتياط (ديلي بيست) أنهم لا يريدون القتال والموت في الحرب المستمرة والدموية في سوريا”.
ويشير التقرير إلى أنه “لهذا السبب، فقد قطع الحزب الرواتب المالية للمقاتلين، والمساعدات الأخرى التي تتلقاها عائلاتهم؛ بسبب رفضهم المشاركة في الحرب السورية. ولا يعرف إن كانت هناك تداعيات أخرى وعلينا الانتظار ومشاهدة ما يجري”.
ويقول روزنفيلد: “جلس عماد متربعا حول مدفأة في بيته في مزرعة في سهل البقاع، محاطة بحقول جرداء، يزرع فيها محصوله من الحشيش/ الماريغوانا، ورفض الكشف عن اسمه الحقيقي؛ لأن تجارته غير مشروعة، ولخوفه من التعرض للانتقام؛ لأنه تحدث علانية. ومع ذلك، فقد قال إنه توقف عن القتال لأنه فقد الأمل بالحرب السورية قبل ستة أشهر”.
ويعلق الكاتب بأنه عندما تحدث مع عماد في نيسان/ أبريل، كان “شخصا كرس نفسه لدعم قوات الأسد، ولديه دافعية للانتقام من الجهاديين، الذين ذبحوا قريبا له في الجيش اللبناني، عندما ألقوا القبض على عدد من الجنود في بلدة عرسال. والآن ورغم رغبته بالانتقام، فقد أصبح قلقا من الحرب، ومحبطا من القوات السورية”.
ويورد الموقع نقلا عن عماد قوله: “أرفض العودة مرة ثانية؛ لأننا عندما نستعيد بلدة ونسلمها لجيش النظام السوري، يتم أخذها منه مرة ثانية”.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن قرار عماد، الذي اتخذه في حزيران/ يونيو، كلفه ثمنا باهظا، ومنذ ذلك الوقت قطعت الرسوم الدراسية التي كان يتلقاها لتعليم أولاده، ومعها المساعدات الطبية لعائلته، وتبخر الدعم الذي كان يتلقاه عن الوقود وأمور أخرى.
ويذكر روزنفيلد أن آخر مرة أرسل فيها عماد إلى سوريا، قاتل في جبهة حلب. وفي الوقت الذي يقول فيه عماد إنه يرغب بالخدمة وقتال إسرائيل، أو العمل على الحدود مع سوريا، إلا أن راتبه قطع. ويقول إن حزب الله يتعرض لضغوط كبيرة منذ الصيف، بعد زيادة القتلى بين عناصره في سوريا.
ويستدرك الموقع بأنه رغم عدم نشر حزب الله، الذي يملك جيشا موازيا للجيش اللبناني، إحصائيات عن عدد ضحاياه، إلا أن الجنازات التي تقام في معقله في الضاحية الجنوبية في بيروت في تزايد مستمر، بالإضافة إلى السخط من عائلات المقاتلين الذين أرسلهم الحزب للقتال في سوريا.
ويرسم ثلاثة مقاتلين احتياط لـ”ديلي بيست” مشهدا دمويا من الذهاب والإياب، وتزايد أعداد القتلى، وتحقق اليسير.
وينوه التقرير إلى أن خسارة عماد للمساعدات المدرسية لأطفاله أثرت عليه بشكل كبير، وما أنقذه هو اعتماده على تجارة الحشيش، فهو يشكر الله على الموسم الجيد، مع أن مبيعاته في سوريا انخفضت. وتعد جبهة النصرة وتنظيم الدولة من الزبائن الدائمين له، حيث يعتمدان على المهربين في عرسال، بحسب ما يقول.
وبحسب الكاتب، فقد كشف عماد عن أنه يعرف 60 مقاتلا في الاحتياط غيره، قرروا عدم الذهاب إلى سوريا، وقطعت مساعداتهم الطبية والمالية بسبب هذا الرفض، ويقول: “أعرف أشخاصا ذهبوا للقتال في سوريا بسبب الضغوط المالية، فقط الشخص الذي يعتمد على بديل يقول (كفى)”.
وقابل روزنفيلد مقاتلا يدعى جعفر، في قرية صغيرة في قلب جبال لبنان المطلة على سهل البقاع، ويقول الكاتب إن جعفر جاء نحو الباب وهو يعرج، بعد إصابته في وركه عندما انهار جدار عليه، نتيجة إطلاق المعارضة صاروخا على بيت كان يختبئ به في منطقة دمشق، أثناء رحلته الأخيرة إلى سوريا في تموز/ يوليو، وقتل ثلاثة من بين سبعة مقاتلين كانوا معه وجرح الباقون.
ويشير الموقع إلى أن جعفر رفض الكشف عن اسمه الحقيقي؛ خشية الانتقام، وأخبر قادته أنه لا يرغب بالعودة إلى سوريا، ولكنهم طلبوا منه العودة للمرة الأخيرة، إلى أن يعثروا على من يحل مكانه.
ويقول جعفر للموقع: “لو رفضت المواصلة قبل أن يعثر على بديل لتم التحقيق معي، ولأصبحت علاقتي معهم عدائية”. وجعفر على خلاف الآخرين فهو سني مسلم، وانضم لكتائب المقاومة التابعة لحزب الله في عام 2000، التي تضم المتطوعين غير الشيعة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ولم يعد يرغب في القتال في حرب لا مخرج منها.
ويضيف جعفر: “انضممت لمحاربة إسرائيل، فلماذا أموت في سوريا؟ هي معركة خاسرة، ولقد خسرنا الآلاف”.
ويحمل جعفر جيش النظام السوري المسؤولية لخسارته مناطق استعادها حزب الله. ويرى أن التدخل الروسي لدعم الأسد هو إشارة مؤكدة على عدم قدرة جيشه على الانتصار في الحرب، التي تحولت إلى حرب دولية بالوكالة. ويعلق قائلا: “لو أراد الأمريكيون والروس والسوريون العثور على حل لوجدوه”، ويضيف: “هذه لعبة كبيرة في سوريا، فهناك بؤس”.
وبحسب التقرير، فعندما مشى وهو يعرج في غرفته بحثا عن كلاشينكوفه “آي كي- 47” بدا واضحا أنه ليس جاهزا للقتال، حتى لو أراد ذلك. ولأنه عبر عن رغبته بعدم العودة إلى سوريا، فقد خسر المساعدات التي كانت تحصل عليها عائلته كلها. ولا يحصل منذ عودته في تموز/ يوليو إلا على مساعدات طبية معينة للجرح الذي أعاده إلى لبنان.
ويعلق جعفر باكتئاب على معاملة حزب الله له وللآخرين قائلا: “أشعر بأننا كنا مرتزقة”، ويضيف: “الآن هناك مشكلة في إرسال المقاتلين إلى سوريا؛ لأنهم شعروا بأنها ستكون حربا قصيرة، ولأنها طالت لا يريد الناس الذهاب هناك”.
وينقل الكاتب عن قيادي في القوات الخاصة التابعة للحزب، يشرف على خمس وحدات في سوريا، نفيه وجود أوامر لإلغاء الرواتب والمعونات للراغبين بعدم القتال في سوريا، ويقول: “حزب الله أكبر من هذا”. ونفى القيادي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن يكون الحزب تحت ضغوط لإرسال مقاتلين إلى سوريا، ورفض الحديث عن عدد الضحايا، وإن كانوا في تزايد.
ويذكر الموقع أنه في منطقة الضاحية الجنوبية، حيث صور الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وأعلامه تنتشر في كل مكان، وفيها تعيش طبقة عاملة، تؤمن بقضية حزب الله، الشعور العام بين سكانها هو الإحباط من الحزب.
وقابل روزنفيلد أبا أحمد، الذي أحضر معه ابنه للقاء، وتحدث كيف بكى مرارا أثناء خدمته في سوريا، وبعد ضغوط من عائلته وتزايد السخط من الحرب، توقف عن المشاركة في الحرب العام الماضي.
ويقول أبو أحمد للموقع: “في حالتي، أحب زوجتي وأبنائي أكثر من حبي لسوريا وفلسطين”. وقاتل أبو أحمد في حرب تموز/ يوليو 2006، وانضم للحزب في منتصف التسعينيات، وهو الآن في الأربعينيات من عمره، وفقد وظيفته والمساعدات التي كانت تحصل عليها عائلته؛ لرفضه العودة إلى سوريا.
ويضيف أبو أحمد: “كانوا يمنحوني عملا، والآن ليس لي عمل. وأشعر أنني فقدت كل شيء”. ولا يشعر أبو أحمد بالإحباط من الحرب، التي يصفها بأنها “مباراة بين القوى العظمى”، ولكنه لم يخف نبرته الطائفية بقوله: “دع السنة يحررون فلسطين”. ويقول إنه ساعد أبناء أخيه على الهرب من لبنان إلى ألمانيا، بعد هروبهم من وحداتهم في سوريا. ويخطط للهرب إلى ألمانيا مع عائلته.
ويختم “ديلي بيست” تقريره بالقول إن أحد المبررات الرئيسة التي يبرر من خلالها حزب الله دخوله الحرب في سوريا، هو منع الجهاديين من الوصول إلى لبنان. وعندما وصف الموقع الموقف أمام أبي أحمد، ليس بعيدا عن التفجير الانتحاري، الذي قتل فيه تنظيم الدولة 43 شخصا في تشرين الثاني/ نوفمبر، كان رده حادا، حيث قال: “دعهم يأتون إلى هنا، فأنا راحل”.
عربي21