هنا في مكان انعدمت فيه الرحمة، و حلّ الموت في أنحائه، أطفال يموتون من الجوع، و رجال يبكون عجزاً عن إعالة نسائهم و أطفالهم.
في مدينة غنية بكل شيء، بكرامة أهلها و غناهم المادي و المنعوي، مدينة الكرم و الخيرات ترضخ اليوم تحت حصار ظالم من جميع الأطراف.
في دير الزور يقيم الطفل “عقاب” مع عائلته في حي الجورة المحاصرة الخاضعة لسيطرة النظام والمحاصرة من قبل تنظيم الدولة، مع انعدام للمواد الغذائية و الصحية و انقطاع للكهرباء منذ شهر آذار من العام الجاري وحتى يومنا هذا، و المياه تتوفر يومين في الأسبوع فقط، لأن شركة المياه تعمل على المحروقات و التي أصبح تأمينها من أصعب الأمور.
يبكي الطفل عقاب من شدة جوعه، يثير بكاؤه عاطفة أمه، فتبحث عن شيء يسد جوع ابنها ولا تجد سوى كسرة خبز يابس، يرفض عكاب أكلها لصغر سنه، وصعوبة أكل الخبز اليابس، فهو طفل وبحاجة الحليب.
علماً أن المناطق المحاصرة تعاني من نقص حاد و كبير بالمواد الغذائية التي تعد نادرة جداً بسبب استمرار الحصار لمدة طويلة، و عدم إمكانية إدخال أي شيء لها، وهذا الحصار الذي طال قرابة السنة ترتب عليه أوضاع كارثية، فالأسعار ارتفعت بشكل جنوني و زادت إلى ما يقارب بـ12 ضعف.
يقول أحد أقارب عقاب : ” سعر رغيف الخبز وصل إلى أكثر من 150 ليرة سورية، و سعر كيلو البرغل إلى أكثر من 1350 ليرة، و كيلو السكر 2200 ليرة”.


ومع صعوبة تأمين الحليب و الغذاء الكافي لعكاب، يعتاد على أكل الخبز اليابس المبلل بالماء، ليبقى على قيد الحياة، و يوماً بعد يوم تسوء حالة عقاب، و يزداد وجهه الصغير شحوباً، و يصبح جسده النحيل أكثر ضعفاً، فيصاب بأمراض سوء التغذية، ويتراجع النمو لديه، وتكثر أمراضه في ظل اختفاء النقاط الطبية، ليودع الحياة منذ ايام بسبب سوء التغذية ونقص العناصر الأساسية من جسمه .
و عدم وجود الأدوية الكافية، بالإضافة إلى غياب عدد كبير من الأطباء لانتقالهم إلى أماكن أخرى أو هجرتهم لدول أوربا، فهناك حالات خروج مستمرة من مناطق الحصار و التي تتم بموافقة قوات النظام إما بمقابل مادي، أو عن طريق الواسطات و المحسوبيات التي تربط الشخص بضباط النظام، فقد عمد النظام في المناطق المحاصرة الخاضعة تحت سيطرته على إبقاء المدنيين فيها، و استخدامهم كدروع
بشرية لحمايته من ضربات تنظيم الدولة على المنطقة، و بين ضغط النظام من جهة و الحصار من جهة أخرى يختنق الناس قهراً و جوعاً.
تقول مواطنة : ” بينما الأطفال في حيّنا يموتون جوعاً يقوم النظام بتزويد جميع عناصره بكل ما يحتاجونه عن طريق الجسر الجوي الواصل بين دمشق و دير الزور، و لم يقم بتأمين احتياجات المدنيين رغم المناشدات المتكررة له من الأهالي و المنظمات المحلية، و خاصة الهلال الأحمر السوري، ليحصلوا على ما يعينهم على الحياة”.
و في ظل الحصار المظلم في منطقة بلا كهرباء منذ أكثر من سبعة أشهر بعد أن تم قطع الكهرباء من حقل التيم النفطي المغذي لتلك الأحياء، الأمر الذي سبب توقف محطات المياه و المؤسسات الخدمية بشكل كامل.
ا يعيش المحاصرون في العصر الحجري في ظلام دامس، و سعيد الحظ من يملك في منزله بعض الشموع ينير بها عتمة الليل، فهم هنا يدفعون ثمن فعل ليس لهم به ناقة أو جمل ، وهم ضحية سهلة أمام كل الأطراف المتنازعة”.
فالمواطنون المدنيون في حي الجورة المحاصر يصمدون في وجه كل الضغوطات القاسية من أجل البقاء، ويبذلون جهداً كبيراً للحصول على طعام يسد رمقهم، و على مياه صالح للشرب، بسبب توقف محطات المياه عن العمل بعد انقطاع التيار الكهربائي، و استحالة استبدال الكهرباء بالمولدات الكهربائية، كون المحروقات قد ارتفع أسعارها إلى حد جنوني بسبب الحصار، فسعر ليتر المازوت الواحد بلغ 1400 ليرة سورية، أما البنزين فيتراوح بين 3500 و 4000 ليرة سورية.
وفي وجه الموت الذي يداهم جسد الطفل عقاف، جسده الرقيق الناعم، الذي لم يبقَ من إلا عظاماً يكسوها جلداً جافاً و شاحباً، و هو يلفظ أنفاسه في الرمق الأخير، ليرتقي إلى جوار بارئه بحزن وأسى والدته، وقلبها يعتصر ألماً على فراق طفلها الذي لم يحيا كألأطفال، لا تعرف هل الموت سيكون أشد عليه من حياته التي كان يعيشها، أم أنه راحة و خلاصاً له من مصارعة البقاء؟!.
و الطفل عقاب ليس الوحيد، بل شهدت المنطقة عشرات الحالات من الأطفال الذين فارقوا الحياة لفقدانه الغذاء.
حيث يعاني أكثر من 250 ألف مواطن ظروفاً مأساوية و نقصاً حاداً في المواد التموينية و الطبية في حيي الجورة و القصور بدير الزور، ناهيك عن ابتزاز النظام للمدنيين بكافة أساليب القهر و الظلم و الاستعباد.
بينما يقف العالم صامت على عظام و جثث هؤلاء الأبرياء الذين دفعوا أغلى ثمن للحرب التي لا يد لهم فيها، فبين قهر النظام و سيطرته و الحصار المميت يصمد هؤلاء الناس بآخر أنفاسهم، و بأجساد بالكاد تقوى على الحياة.
المركز الصحفي السوري ـ ظلال سالم