دير الزور ..صراع وتآمر حول أكبر مخزون نفطي سوري

تتعرض مدينة دير الزور لعشرات الغارات اليومية من الطيران الجوي الروسي، يسقط خلالها قتلى وجرحى من المدنيين وأصوات الانفجارات تهز المدينة بشكل يومي.
فيما يقوم على الأرض ما يعرف بجهاز الحسبة التابع لتنظيم “داعش” باعتقال النساء بحجة عدم الالتزام باللباس الشرعي، وتفرض الغرامات المالية الكبيرة على أناس فقراء، وتسن القوانين التي كان آخرها قانون وضع العقارات أو السيارات كضمان لديه لمن يريد الخروج خارج مناطق سيطرته حتى يعود خلال فترة زمنية محددة، وقد‬ أعطى التنظيم أخيراً مهلةً لأول أيام شهر رمضان لإزالة أجهزة الاستقبال (الستلايت) وكل مخالف يتعرض لمخالفة مالية ومصادرة الجهاز.
أيضا، يستهدف قصف النظام وحلفائه الجوي مناطق المدنيين بنسبة 80%، بينما يمارس ضدهم داعش بالوقت ذاته الكثير من الضغوط اليومية.
ويعيش أهالي مدينة دير الزور تحت النار، وهم أهل الأرض وهم أصحابها، لكنهم الضحية التي تدفع الثمن أولاً وأخيراً، حيث يلاحقهم الموت جواً والأحكام والقوانين تفرض طوقاً حول رقابهم، وبات الفقر والجوع سيد الموقف في هذه المدينة المظلومة.

أوضاع المدنيين تزداد سوءً

تسود على العلاقة بين المدنيين وداعش سمة التوتر بشكل مستمر جراء الاستفزازات والقرارات التي یفرضها التنظيم على الأهالي، إضافة لأحكام الإعدام التي تنفذ بحق بعض المعتقلین من سكان المدینة، خصوصاً بعد نكثه للعهود والمواثیق للكثیرین من أبنائها الذين أعطاهم الأمان ثم عاد ونفذ حكم إعدامه بهم.
تحدث “عامر الهويدي” من أبناء مدينة دير الزور لـ “العربية.نت” عن ممارسات داعش ومصادرة البیوت بتهم مختلفة واعتقال الشباب وسوقهم إلى جبهات القتال، تارة بحجة ارتكابهم مخالفات شرعیة، وتارة أخرى بدعوى أن “الجهاد” أصبح واجباً على كل الشباب في المنطقة وهذا ما دفع كثیراً من العوائل لترك المنطقة والهجرة، لیقوم التنظیم بعدها بتوطین الأجانب من مقاتلیه في منازلهم.
وأضاف “عامر” أن مناطق سيطرة النظام لم تكن أقل سوءً، فالمدنيون يعانون من حصار خانق فرض عليهم منذ بداية عام 2015 ويبلغ عدد السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام نحو 17 ألف نسمة يضعهم النظام ضمن معتقل كبير لا يسمح بمغادرة أحدهم بينما عناصره تتغير وتتبدل بين الفترة والأخرى.
ويقوم النظام بحملات التجنيد، بعد أي هجوم لداعش ليقوم باعتقال المدنيين من الشوارع والطلاب من الجامعات، وشمل الأمر موظفي الدوائر الحكومية ومن يملكون أوراق تأجيل دراسي وحتى المعفيين من الخدمة الإلزامية.
وقد اعتقل النظام منذ 24 كانون الثاني يناير حتى الآن، أكثر من 500 مدني، ونقلهم إلى مقراته في “اللواء 137″ و”معسكر الطلائع” للخضوع إلى دورات تدريبة لا تتجاوز مدتها 10 أيام، من ثم يزج بهم على خطوط القتال الأولى مع داعش.
أما الوضع التعليمي، فيكاد ينعدم الدوام في جامعة الفرات والمدارس بسبب خروج المدرسين والمدرسات ورحيلهم، إضافة إلى حملات الاعتقال من قاعات الامتحان في الآونة الأخيرة بهدف تجنيدهم، وعندما احتج الطلاب على ذلك هدد محافظ النظام في المدينة بحجز ثبوتياتهم الشخصية لإرغامهم على التجنيد الاجباري، وتبقى المشكلة الأعظم التي تعاني منها المدينة هي حملات خطف الطالبات من قبل عناصر الأمن و”الشبيحة” دون رقيب أو حسيب.

أهالي دير الزور ضحية النفط

تعد مدينة النفط السورية منذ سنين أفقر مدن البلاد وأسوئها حالاً، رغم امتلاكها 40% من ثروة سوريا النفطية، و30% من القطن والمحاصيل الزراعية المختلفة، وتمتلك مخزوناً استراتيجياً كبيراً من الحبوب.
وعلى الرغم من ذلك لم تنعم المدينة يوماً باهتمام سلطات نظام الأسد، بل مُورس على أبنائها سياسة التجويع وفرض الجهل عليها بشكل متعمد، إضافة لحرمان أهالي المنطقة من خيرات هذه الموارد واستحواذ النظام عليها بشكل طائفي اعتمده منذ سنوات.
وبعد بدء الثورة السورية وحتى الآن تمر دير الزور بتجربة صراع ممزوج بالإرهاب وحل وجود النفط فيها لعنة عليها أدى لدمارها بسبب الصراع المخيف عليه من كل الأطراف بدءا من النظام ووصولاً للكتائب المسلحة والعشائر أخيراً لسيطرة “داعش” على أجزاء واسعة من المحافظة.
وقد أفاد “عامر” في شرح للحياة التي يعيشها المدنيون وانقسامهم رغماً عنهم لقسمين أحدهما يعيش في كنف النظام، والآخر في كنف “داعش” الذي يسيطر اليوم على أكثر من 95% من مساحة محافظة دير الزور الغنية بالنفط، والتي تبلغ مساحتها نحو 36 ألف كيلومتر مربع، بينما تسيطر قوات نظام الأسد على حي الجورة حيث تتواجد قيادة المحافظة، وحي عياش ومنطقة اللواء (37) وحي هرابش ومساكن العسكريين ومطار دير الزور ومعسكر الطلائع وحي الحميدية الذي يخضع مناصفة لسيطرة قوات النظام، والتنظيم.
وتابع “عامر” لقد سيطر داعش على المحافظة في حزيران يونيو 2014، وكان النفط والآبار والحقول همه الأول ونظم استثمارها فيما سماه “ديوان الركاز” وأولى مسائل استمرار استخراج النفط وزيادة كمياته أهمية كبيرة، واستطاع تحقيق تطوراتٍ مهمةٍ ساهمت في تحسين اقتصاده.
واليوم، بات الجوع والفقر السمة الحقيقية لأهالي هذه المناطق أو من بقي منهم فيها ولا تزال نفس السياسة متبعة ضدهم فقط مع تغيير للوجوه.
إن توافق النظام والتنظيم بعدم ذكر الأرقام الحقيقية للإنتاج النفطي في هذه المناطق وعمليات التبادل والبيع المشترك فيما بينهما، واستمرار عمل موظفي النظام في مناطق سيطرة “داعش” تؤكد بما لا يمكن الشك فيه التعاون الوثيق بينهما، إضافة لكثرة الحقول النفطية في هذه المناطق وعدم استطاعة الطيران الحربي تحديد أهدافها واستبدالها بأهداف السكن المدني وملاحقتهم بالقتل والجوع والحصار.

العربية.نت
Next Post

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist