دوما التي بلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة بحلول عام 2011 انخرط أهلها في مظاهرات عارمة ضد النظام, ونادت بإسقاط رأسه بشار الأسد, ولم يكن يدري أهلها ماهو مصيرهم, بعد سبع سنين عجاف.
بدأ الشعب الدوماني كسائر جيرانه من أبناء عربين وحمورية وزملكا وسقبا وكفربطنا وغيرها من الجوار بالوقوف مع أطفال درعا الذين اقتلع النظام أظافر أيديهم وشق أجسادهم, كحمزة الخطيب ورفاقه, وامتدت المظاهرات متحدية أجهزة النظام المشهورة منذ الثمانينات بوحشيتها وألوان عذابها لتشمل أغلب مناطق الغوطة الشرقية وأحياء دمشق وصمت النظام لكن ليس طويلا فهو يدرك من يقف معه ضد المتظاهرين السلميين ومن يجيد حرفية قمعهم.
استعان النظام بالايرانيين وحزب الله اللبناني ومخابراته المخضرمة التي خاضت مجازر حماة وجسر الشغور وحلب في مطلع الثمانينات ليبدأ قتل السوريين أمام صمت دولي مطبق وتصريحات خجولة من بعض الدول العربية والعالمية المسماة بأصدقاء سوريا.
سبع سنوات أهلكن الشيخ والطفل والمرأة والرجل في الغوطة الشرقية ومدينة دوما كبرى مدنها وسعى النظام منذ البداية لتفتيت فصائل الثورة في عموم مناطق سوريا وابعادها عن مسارها ونجح في ذلك لكن ليس في المستوى المأمول فبعض الفصائل حافظت على هيكليتها وقوتها ولم يستطع النظام اختراقها وبدأ جيش النظام النزول الى الساحات ليلتقي وجها لوجه بالمتظاهرين بدباباته وخبراته العسكرية ومخابراته التي تجيد فنون القمع ولكن أهالي الغوطة الشرقية لن يثنيهم عن اسقاط النظام قوة في العالم فأكملوا مسيرتهم ونادوا باسقاط النظام لتجلس حكومة النظام ومخابراتها ومحلليها في الشقين السياسي والعسكري وعلى رأسها بشار الأسد ليجدوا الحل.
الحل الذي طالما انتظره النظام وهو محاصرة الغوطة الشرقية التي تشكل خطرا كبيرا على القصر الجمهوري وحكم الأسد فهي لاتبهد سوى بضع كيلو مترات عن قلب العاصمة دمشق وبدأ الحصار عام 2016 ليمنع النظام دخول أي شيئ يبقي أحد على قيد الحياة ومع هذا لم تستسلم الغوطة الشرقية ففيها جيش الاسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام وتعدت الفصائل والمدنيون يقولون الهدف واحد.
بينما الغوطة محاصرة تتلاعب قوات النظام والطائرات الروسية فوق جثث الشهداء بحلب وسط غزارة شديدة من الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف تنزف حلب الشرقي ويبكي أهل ادلب على شقيقتهم حلب وهاهي كبرى مدن الشمال تسقط بأيدي النظام بعد أن فتك بأحيائها الشرقية وقتل من قتل وشرد من شرد ويعقبها الدور على ريف ادلب الشرقي ليخطط النظام وروسيا وايران ودول أخرى لطبخة تطبخ على نار روسية وبقدور ايرانية والطباخ نظام الأسد ونضجت الطبخة وأكل الطباخ ريف ادلب الشرقي وكل هذا والغوطة محاصرة تنظر وترتقب دورها القادم.
حان الوقت في شباط وبرده القارس قررت قوات النظام بمشورة روسية ايرانية بأن لاتبقي ولاتذر من أهالي الغوطة فالمعادلة غير متكافئة والجغرافية بعيدة عن فصائل إدلب المتناحرة وبدأت الحرب بتشديد الحصار مترافقا بآلاف الغارات الجوية والقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ والغازات السامة وسط صمت عربي ودولي وخلال 45 يوما يحصد النظام النتيجة قتل وجرح وتهجير عشرات الآلاف من بيوتهم في مدن الغوطة لتبقى مدينة دوما آخر قلعة صامدة فيها ليتعجب النظام من هؤلاء البشر الذين لم يخرجوا في الحافلات الى الشمال السوري وحسم موقفهم بالتصدي له رغم ضعف امكانياتهم العسكرية ومايتبعها وندرة الأدوية ونفاذ الطعام ومعاناة الأطفال والنساء.
ليبدأ القاتل المحترف توجيه طائراته ومدفعيته وصواريخه إلى القلعة الصامدة هذا اليوم, ليرتكب مجزرة بحق أهلها المدنيين راح ضحيتها أكثر من 30 شهيدًا وعشرات الجرحى وتهدم الأبنية على رؤوس ساكنيها وعجز فرق الدفاع المدني عن انتشال الضحايا والجرحى من تحت الانقاض لشدة القصف ولايزال ناشطوها ومقاتلوها يمسكون ببندقياتهم وكاميراتهم ويكملون مسيرة الثورة ويدافعون عن قلعتهم ويأبون سقوطها.
ويظن النظام؛ بأنه إذا تمكن من دوما وأهلها بأن الثورة السورية انتهت أو شارفت على نهايتها, وأنه يستطيع تأمين جيشه وشبيحته في العاصمة ويحقق نصرًا معنويا لمؤيديه الذين يتململون من أفعاله وإجرامه وفقدان أبنائهم في بساتين الغوطة.
المركز الصحفي السوري – خاطر محمود