تصعيد عسكري كبير شهدته محافظة إدلب شمال غربي سوريا الليلة الماضية، بعد أن تعرضت نقطة مراقبة تركية في محيط بلدة “الترنبة” غرب مدينة سراقب لقصف مدفعي من قبل نظام الأسد أدى إلى وقوع 8 قتلى أتراك وآخرين جرحى.
ورد الجيش التركي على القصف الذي تعرضت له القاعدة العسكرية باستهداف مواقع نظام الأسد في أرياف إدلب وحلب وحماة براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة، وذلك انطلاقاً من القواعد التركية المنتشرة في الشمال السوري ومنها “تل الطوقان” و “الصرمان” و “شير مغار”.
ردود الفعل التركية والروسية
رفعت الرئاسة التركية من حدة التصريحات ضد نظام الأسد وروسيا، حيث أكد الرئيس “أردوغان” أن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه مقتل الجنود الأتراك في إدلب، موضحاً أن الجيش التركي قام بالرد المناسب ونفذ 122 ضربة مدفعية و 100 قذيفة هاون استهدفت 46 موقعاً لنظام الأسد، بالإضافة إلى مشاركة طائرات حربية من طراز F16 في العملية، كما شدد على أن العملية أسفرت عن تحييد من 30 إلى 35 عنصراً من ميليشيات الأسد، وأن بلاده مصممة على مواصلة عملياتها في سوريا “من أجل ضمان أمن بلادنا وشعبنا وأمن أشقائنا في إدلب”.
وأما المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا “عمر جيليك” فقد أوضح أن بلاده ستعتبر من الآن فصاعداً ميليشيات الأسد القريبة من نقاط المراقبة التابعة لها في إدلب أهدافاً معادية، معتبراً أن نظام الأسد يتصرف كمنظمة إرهابية.
من جهته برر مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية قصف نظام الأسد لنقطة المراقبة التركية بالقول إن وحدات الجيش التركي تحركت في محافظة إدلب دون إخطار روسيا، الأمر الذي عرضها لقصف من قِبل قوات النظام استهدف “الإرهابيين”، حسب وصفه، مدعياً في الوقت ذاته أن روسيا مسيطرة على المجال الجوي في شمال غربي سوريا وأن الطائرات التركية لم تدخل أجواء محافظة إدلب ولم تنفذ أي غارات على مواقع ميليشيات الأسد.
وقبل التصعيد العسكري الآنف ذكره بساعات كانت تركيا قد أدخلت أرتالاً عسكرية ضخمة إلى الشمال السوري وتعتبر الأكبر من نوعها منذ التدخل العسكري التركي في البلاد، وقد شملت الأرتال دبابات ومدافع وراجمات صواريخ وأجهزة تشويش وسيارات إسعاف، وقد تمركز بعضها غرب مدينة سراقب وتحديداً على الطريق الدولي “M4”.
كما أن صحيفة “صباح” التركية كانت قد قالت إنه وعقب سيطرة النظام السوري على مدينة “معرة النعمان” واختراقه لاتفاقيات “سوتشي” و”أستانا”، بدأت القوات التركية بإنشاء التحصينات على الخط الجنوبي والشمالي لمدينة “سراقب” الواقعة على طريقَيْ “M4 و M5″، مشددة على أن الجيش التركي قام بحفر خنادق في مدينة سراقب وكثف من استعداداته على طريق M5 والمناطق المطلة عليه، ونشر عدداً كبيراً من الجنود والمدرعات فيها، وذلك لمنع تقدُّم الميليشيات الروسية والإيرانية نحو المدينة.
دلالات ومصير التصعيد بين تركيا ونظام الأسد
أوضح الكاتب والمحلل السياسي “محمود عثمان” أن الأطراف المتنافسة على الساحة السورية تتبع إستراتيجية “حافة الهاوية”، مضيفاً أن كل طرف سيذهب إلى أبعد ما يكون من التصعيد من أجل المحافظة على مواقعه، لكن في المحصلة لم يكن هناك صدام مسلح بين تركيا وروسيا تحديداً.
وذكر أن أنقرة لن تتسامح مع نظام الأسد، في منطقة إدلب، كما اعتبر أن تركيا اليوم أمام امتحان مصداقية، بعد أن اهتزت مصداقيتها كضامن وقوة إقليمية، منوهاً إلى أن موسكو تمادت كثيراً وذهبت بعيداً في عمليات الانتهاك لاتفاقات أستانا وسوتشي، وهو ما يعني أن الأمر وصل إلى ما يمكن تسميته بـ “الخطوط الحمر” لتركيا.
وشدد في تصريحات خاصة لـ”نداء سوريا” على أنه لا يمكن لتركيا إن كانت تريد لعب دور إقليمي، وسياسة نشطة على مستوى المنطقة وخاصة في سوريا، أن تتعرض لجميع هذه الضغوط دون أن يكون لها موقف حاسم وحازم، ما يحتم عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تعزيز مكانتها وسمعتها كضامن للمعارضة السورية.
وأردف أن أنقرة هي الأكثر استعداداً لأي مواجهة أو صدام، وخاصة أن أكثر من 130 ألف جندي لها ينتشرون على الحدود السورية التركية، وهم على أهبة الاستعداد للدخول في أي معركة أو صراع إذا اقتضى الأمر، وهو ما يمكن اعتباره رسالة لروسيا لعدم التمادي في إدلب.
واستطرد بأن روسيا لديها سيناريو واحد وهو السيطرة على كافة الأراضي السورية، وتعتبر أن البلاد جميعها منطقة نفوذ لها، ولذلك يشير المسؤولون الروس بشكل متكرر لضرورة احترام وحدة التراب السوري.
وخلص “عثمان” إلى أن روسيا في عجالة من أمرها وتريد التصعيد قبيل الانسحاب الإيراني الاضطراري من سوريا، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية الكبيرة على طهران والتي من المتوقع أن تستمر بوتيرة أعلى، ما يعني أن إيران ستجبر على سحب ميليشياتها من الأراضي السورية، وبالتالي لن يكون لروسيا تفوق عسكري على الأرض، خاصة أن جيش نظام الأسد منهك ولا يمكن الاعتماد عليه في المعارك الحقيقية.
وختم أنه وعلى الرغم من التصعيد الروسي في محافظة إدلب فإن تركيا عازمة هذه المرة على إيقاف التمادي الروسي وإثبات نفسها على أنها دولة إقليمية تستطيع أن تحمي مكتسباتها وأن تفرض نفسها كلاعب أساسي في المنطقة سواء في سوريا أو ليبيا.
من جانبه اعتبر الخبير العسكري العقيد “أحمد الحمادة” بتصريحات لـ”نداء سوريا” أن التعزيزات التركية الأخيرة في إدلب تهدف لتحسين قدرة النقاط التركية لأداء مهمتها وللدفاع عن النفس كما حصل بالأمس، معتبراً مقتل الجنود الأتراك سيكون له تبعات على العلاقات التركية الروسية، ومشدداً في الوقت ذاته على أن زيادة النقاط التركية في الشمال السوري تهدف لمنع مواصلة هجمات النظام وربما لإعادة إبرام تفاهمات جديدة.
جدير بالذكر أن الرئيس التركي أكد قبل قليل أن التطورات في محافظة إدلب شمال سوريا وصلت إلى وضع لا يطاق، وأن بلاده صبرت كثيراً، كما شدد على أن أنقرة ستجعل نظام الأسد يدفع الثمن اللازم حيال قصفه لنقطة المراقبة التركية وقتله ثمانية جنود.
نقلا عن: نداء سوريا