خاص المركز الصحفي السوري
الشعب السوري معروف بثوريته وحبه لوطنه وأرضه، ولا يزال يدفع من أجل ذلك أثماناً باهظة، فمن يبحث في خبايا هذه الثورة يجد الكثير من الأمثلة التي تثبت ذلك، فلا توجد عائلة سورية واحدة إلا وقد قدمت شهيداً أو معتقلاً أو جريحاً.
“أبوسامر” رجل خمسيني من ريف إدلب الجنوبي من قرية التمانعة تقع بالقرب من مدينة خان شيخون على الاوتوستراد الدولي حلب- دمشق، يعمل “أبو سامر” في مؤسسة الإسكان العسكرية، لديه ثلاثة أولاد سامر، محمد، وائل وبنت واحدة، رجل معروف بوطنيته وبصحوة ضميره، كان محمد و وائل يؤديان الخدمة العسكرية الإلزامية، منذ البداية رفض ممارسات النظام الهمجية وآثر أن ينشق ويطلب من ولديه الانشقاق عن صفوف النظام .
“سامر” الابن الأكبر شاب في سن الزواج، أراد أبوه أن يزوجه لكن أفكار الثورة لديه كانت أسمى من أي عمل آخر، رفض الزواج وقرر الالتحاق بصفوف الثوار لقتال النظام ، أراد سامر أن يشارك في المعارك الدائرة على الاوتوستراد الدولي حلب – دمشق عند مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.
عندما التحق سامر بصفوف الثوار لم يكن لديه بارودة فطلب من والده المنشق أن يشتري واحدة، كان وضعهم المادي سيئاَ، باع قطعة من أرضه التي يقتات منها واشترى بارودة لابنه الثائر سامر، يتحدث أبو سامر عن ردة فعل ابنه لحظة إخباره بشراء البارودة فيقول:” عندما أردت أن أخبره أنني اشتريت له بارودة جاء سامر إلى والده وقال له: “سامر ولدي أنا أريد أن أفرح بك وأزوجك، كانت ردة فعل سامر باردة، لم يفرح بل تغيرت ملامحه، أصابه صمت رهيب، تغير لون وجهه و لم ينطق بأي كلمة، عندما رآه أبوه قد تلعثم وانقبض فاجأه بالخبر وقال له : ولدي خذ هذه هي البارودة، خذها كما وعدتك، طار سامر فرحاً وبدأ يصيح ويقول لأبيه وأمه: “أبي..أمي..هذه هي العروس ..هذه هي العروس” و مضى سامر فرحاً بالعروس الجديدة التي صارت بين يديه .
كان صيف عام 2012 ساخناً في منطقة ريف إدلب الجنوبي ومنطقة ريف حماة الشمالي، حيث قام النظام بتسيير الأرتال العسكرية من مدينة حماة باتجاه مدينتي خان شيخون ومعرة النعمان للسيطرة على الطريق الدولي، وبدأت حملة عسكرية مجنونة من قبل النظام للسيطرة على المنطقة، استخدم كل أنواع الأسلحة من القنابل الفراغية إلى العنقودية و الصواريخ والقذائف من الحواجز المحيطة بالمنطقة.
كان سامر رجلاً ثورياً، طلب من أخويه محمد و وائل اللذين يؤديان خدمة العلم الانشقاق، بالفعل انشق أخواه في شتاء عام 2012، و التحقا فيما بعد بركب العمل المسلح، سامر حاله كحال الآلاف ممن طلبوا الموت، كان شاباً ملتزماً دينياً، في صباح الرابع من مايو/أيار عام 2012, استيقظ سامر وصلى الصبح ثم مضى في كفاحه، كانت معركته على أحد الحواجز المحيطة ببلدته على طريق حلب – دمشق، هاجم سامر مع اثنين من رفاقه الحاجز وكانوا في سيارة مصفحة وقاوموا الحاجز حتى الرمق الأخير، لكن تدخل الحواجز الأخرى جعل الحاجز المستهدف يصمد أكثر، جاءته رصاصة غادرة فسقط سامر شهيداً.
عندما جيء بسامر إلى البلدة بدأت الأعيرة النارية تسمع، توجس أبو سامر وأم سامر خيفة في نفسيهما، تغير لون وجههما وقال أبو سامر في نفسه: “سامر..سامر .. اللهم سلم ..اللهم سلم ( دعاء لمن ذهب إلى معركة أو رباط)”، لم يتفاجأ، كان موقناً بقضاء الله وقدره، لكنه كابر على نفسه و آثر الانتظار حتى يأتيه من يخبره بأمر هذه الأعيرة التي تطلق بكثافة، كان صامداً لكن قلبه عند ابنه الذي خرج للجهاد، جاء الخبر لأبي سامر: افرح يا أبا سامر لقد صرت أباً لشهيد، كانت ردة فعله أن قام وكبر .. “الله أكبر..الله أكبر.. ابني سامر شهيد.. الحمد لله”، جاءه أهالي البلدة بموكب مهيب يهنئوا أبا سامر لأنه كان أول شهيد في البلدة، ذهب أهل البلدة إلى المقبرة بموكب مهيب يليق بالشهيد، مشى أبو سامر في الجنازة و هو يسترجع شريط ذكرياته مع ابنه الذي لن يراه مرة أخرى، كانت الدموع تنهمل على خدي ابي سامر، يبكي بصوت منخفض حتى لا يراه أهل القرية الذين راحوا يهنئونه بابنه الشهيد، كان حزيناً لفراق ابنه لكنه كان يقول: “الحمد لله ..فداء لله و الوطن ..أنا مستعد لتقديم ولديّ الآخرين لأجل هذا”.
أبو سامر يشعر بعد أكثر من عامين من استشهاد ابنه بأن الثورة قد اختطفت، ويطالب منظمات المجتمع المدني أن تولي أهمية أكبر لموضوع الشهداء، خصوصاً في بلدته ” التمانعة” التي نزح معظم سكانها نازحين إلى الأراضي الزراعية تنقصهم كل مقومات الحياة الضرورية، يطالب كل من يهمه الأمر أن يقفوا موقفاً يليق بحجم التضحيات التي قدموها، أن يولوا اهتماماً أكبر لنازحي البلدة الذي هو جزء منهم ، و الذين تقطعت بهم السبل على الخطوط الأولى للجبهة في منطقة ريف إدلب الجنوبي
اعتاد الشعب السوري منذ بداية ثورته على تقديم التضحيات الجسام، ومع دخول الثورة لعامها الخامس لا زال الشعب السوري يقدم الكثير من التضحيات، فهو كل يقدم حكاية عن صمود شعب ضد أعتى أنواع الظلم و القهر الذي عرفها العالم في تاريخه الحديث.
خاص المركز الصحفي السوري- عاصم الإدلبي