إلى متى سيستمر شراء الوقت لكسب الرهان الذي تريده روسيا على الأرض, من أجل الإسراع في عملية الحسم العسكري على الأرض, ومن الأفضل لنا ألا ندخل في جدلية على من تكذب روسيا, فاستسلام المجتمع الدولي للإرادة الروسية, وانفرادها التام بالمسألة السورية, أصبح من المسلمات, وعلينا ألا نسأل أيضا كيف ولماذا, لطالما تساءل الجميع هذا السؤال, ولطالما قامت العديد من المناقشات التي حكمتها التخمينات والقراءات والتكهنات, ولكن كل ذلك لم يثمر بالنتيجة, وبقيت الحقيقة الدامغة الوحيدة “روسيا تكذب الكذب المفضوح”, وتفعل ما تشاء وتتدخل بقوة في سورية, وتعتبر أن سقوط نظام الحكم في دمشق, هو بمثابة سقوط الكريملين في موسكو.
الجديد اليوم هي إدعاء روسيا أنها ترغب بإجراء وقف شامل لإطلاق النار في سورية, بالشكل الذي يمهد للبدء بمفاوضات غير مشروطة للشروع بالدخول في المرحلة الانتقالية التي ستنقذ سورية من لهيب هذه الحرب المستعرة منذ ما يقارب ست سنوات حتى اليوم, حيث نقلت وكالة أنترفاكس الروسية عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله: “إن النظام السوري يجري محادثات مع المعارضة السورية”, وذلك قبيل اجتماع أوسع نطاقا في “أستانة” عاصمة كازاخستان, وبالتأكيد وكالعادة لم يذكر لافروف أين تجري هذه المحادثات, وكانت الوكالة المذكورة في وقت سابق نقلت عن مصدر دبلوماسي قوله “إن ممثلين عن الجيشين الروسي والتركي يجرون محاورات مع قادة عسكريين من المعارضة السورية المسلحة في أنقرة بشأن إنجاح وقف إطلاق شامل للنار على مستوى البلاد”.
ومن يتابع الحراك الروسي الملحوظ مؤخرا, سيدرك أنه من الواضح أن هناك جهودا دبلوماسية روسية حثيثة من أجل البدء بمحادثات سلام جادة بين الأطراف المتنازعة في سورية, ولكن في الطرف المقابل، دائما ما يحاول الدبلوماسيون الروس إدخال جميع المراقبين في حالة من الغموض فيما يخص أين وكيف ومتى ستجري هذه المفاوضات ومن هي الأطراف من المعارضة التي ستعقد معها روسيا هذه الصفقة السياسية إن صح القول, سيما أن روسيا اليوم تحاول جاهدة تحييد الأمم المتحدة تماما عن القيام ولو بدور خجول حيال الأزمة السورية.
والأمر الآخر المدهش أن تعلن الهيئة العليا للمفاوضات عدم علمها بتلك الاجتماعات التي تضم كل من ممثلين عن النظام والمعارضة والتي تحدثت عنها روسيا, علما أن الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة يعتبر هو الجسم الجامع للعديد من الشخصيات والهيئات السورية المعارضة للنظام.
أما على الأرض فيبدو المشهد مخالفا تماما لما تقوله روسيا عن بوادر حسن النية, فالنظام يقوم بجمع حشود ضخمة على تخوم الجبهة الواقعة في ريف حلب الغربي وخصوصا عند نقاط الراشدين وخان العسل, وذلك استباقا لعملية عسكرية كبيرة تستهدف معاقل المعارضة في ريف حلب الغربي, وبالتزامن مع ذلك صعدت قوات النظام ومليشيا حزب الله من قصفها واستهدافها لقرى وادي بردى في الريف الدمشقي في إطار الهجوم الذي بدأته الأسبوع الماضي بهدف السيطرة على هذه المنطقة, خصوصا أن قوات النظام وبمساندة عناصر حزب الله يسيطرون على جميع الطرق المؤدية لقرى الوادي فضلا عن السيطرة على المنحدرات المجاورة لها, وذلك وسط حالة إنسانية مزرية للسكان المحاصرين في تلك القرى, في مشهد يعيد للأذهان ما حصل في حلب الشرقية قبل أيام قليلة فقط.
إذن لو جمعنا الجزئين الرئيسين للصورة (السياسي والعسكري), سنعود للطرح السابق, أن حالة الفوضى والسرية وبعثرة الأوراق التي تفرضها الدبلوماسية الروسية هي ليست سوى مجرد أكاذيب مفضوحة لشراء الوقت، ليس إلا, والرغبة الروسية بوقف إطلاق النار هي ليست سوى “حقن تخدير” للسوريين والمجتمع الدولي, وهي ضوء أخضر للنظام للبدء بحملة تهجير جديدة ولن تكون الأخيرة.
لذلك يقول البعض: “من يراهن على دعوات روسيا لوقف إطلاق النار هو واهم, فروسيا دولة احتلال, والمحتل لا يستكين حتى يمحق آخر شخص يود مقاومته, لذلك روسيا تكذب وهي مستمرة بحربها ضد الشعب السوري”.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود