تتجه المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف 4، المقررة في 23 من الشهر الحالي، متسلحة بأوراق قوة لمنع “فرض هزيمة عليها”، بعد نجاحها بتشكيل الوفد المفاوض، فيما لا تزال مشاركة منصتي موسكو والقاهرة فيه غير مؤكدة. وقد تأخر وصول الدعوات إلى المعارضة لحضور اجتماعات أستانة التي كانت مقررة اليوم وغداً حتى مساء أمس، وهو ما استوجب تأجيل الاجتماعات في عاصمة كازاخستان حتى يوم غد في انتظار وصول وفد المعارضة. في موازاة ذلك، تستمر المعارك في درعا، ومعها تواصل قوات المعارضة المدعومة من تركيا عملياتها في الباب لاستعادتها من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
وأعلنت السلطات الكازاخية أمس الثلاثاء أن الجولة الجديدة من محادثات أستانة ستجري “خلف أبواب مغلقة”. كما قال وزير الخارجية الكازاخي، خيرت عبد الرحمنوف، إن اجتماع أستانة من المقرر أن يبحث آليات مراقبة وقف إطلاق النار، ومعاقبة الجهة التي تنتهك الهدنة، معلناً أن الوفد الروسي والوفد الممثل للنظام السوري وصلا إلى العاصمة الكازاخستانية. وقبيل ساعات من بدء هذه الجولة، لم تكن المعارضة قد تلقت الدعوات للمشاركة، حتى كشف ممثل “لواء شهداء الإسلام” في وفد الفصائل العسكرية النقيب سعيد نقرش لـ”العربي الجديد” أنّ “فصائل المعارضة التي شاركت بمفاوضات أستانة، تلقّت مساء اليوم (أمس) الثلاثاء، دعوة لحضور مباحثات أستانة”. وأوضح القيادي أنّ “الفصائل اختارت وفداً مؤلفاً من خمسة أعضاء، يرأسه رئيس أركان الجيش الحر، العميد الركن أحمد بري”.
في موازاة ذلك، تستمر الاستعدادات لمفاوضات جنيف، وأكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الدعوة لحضور جنيف وصلت للهيئة من المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا. بينما يتوجّه المبعوث الأممي إلى موسكو يوم غد الخميس لإجراء محادثات حول “تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية للمحادثات في جنيف” كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس. وأكدت مصادر من الهيئة العليا لـ”العربي الجديد” أن وفد المعارضة لجنيف 4 دخل طور الاستعدادات النهائية للمفاوضات، التي كانت قد توقفت في 18 أبريل/نيسان من العام الماضي. ورفضت المصادر الخوض في تفاصيل تحضيرات الوفد المفاوض للجولة الجديدة، لكنها أشارت إلى أن الهيئة العليا، كانت عقدت ورشة عمل مكثفة في الرياض أواخر الشهر قامت بـ”تجهيز كل الأوراق المتعلقة بالتفاوض”، موضحةً أن الهيئة “لديها رؤية متكاملة عن المرحلة الانتقالية” التي دعا إليها بيان جنيف 1 وقرارات صدرت بعده عن مجلس الأمن الدولي. ولم يُحسم بعد أمر مشاركة منصتي موسكو والقاهرة في وفد المعارضة، في ظل عدم وجود رفض أو قبول من كلا المنصتين لترشيح الهيئة العليا لجمال سليمان ممثلاً عن منصة القاهرة، وعلاء عرفات عن منصة موسكو بشرط الالتزام بـ”بيان الرياض” الذي صدر في أعقاب تشكيل الهيئة العليا أواخر عام 2015 في العاصمة السعودية.
وفي هذا الصدد، قال عضو الهيئة العليا للمفاوضات، المنسق العام لـ”هيئة التنسيق الوطنية”، حسن عبد العظيم، لـ”العربي الجديد”، إن “الهيئة العليا شكّلت وفداً موحداً بناءً على تفاهمات مع دي ميستورا، تنص على وفد موحّد يكون مناصفة بين العسكريين والسياسيين، مكوّن من 20 شخصية، يمثل السياسيون فيه القوى المنضوية في الهيئة العليا، إضافة إلى منصتي القاهرة وموسكو”. وأكد عبد العظيم وجود “تفاهم مع دي ميستورا ألا توجه دعوات خارج الوفد الموحّد”، موضحاً أن منصتي موسكو والقاهرة ممثلتان في الهيئة العليا بشخصيات عدة، مشيراً إلى أن بعض الشخصيات “تحاول أن تشكل منصات جديدة أو كتل سياسية، في محاولة منها ومن داعميها لإيجاد مكان لها في جنيف”.
وكان رئيس منصة موسكو، قدري جميل، قد اتهم الهيئة العليا للمفاوضات بـ”الهيمنة” على تمثيل المعارضة السورية، مشيراً في تصريحات لصحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام، إلى أن منصته قدّمت مع منصة القاهرة ما أسماه “مقترحاً” لتشكيل الوفد، موضحاً أنه “لم يتصل أحد بنا من منصة الرياض للتباحث والنقاش”. ورفضت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات التعليق على تصريحات جميل، مكتفية بالقول إن “الهيئة دعت مرشحين من المنصتين ليكونا عضوين في الوفد”.
ورأت مصادر في منصة القاهرة لـ”العربي الجديد” أن “الإصرار على رحيل الأسد قبيل البدء في التفاوض لن يؤدي دوراً في إنجاح العملية السياسية”، مشيرة إلى أن “إقناع المجتمع الدولي بضرورة استبعاد الأسد عن مستقبل البلاد لا يتم بالتصريحات الإعلامية، وإنما من خلال شرح ما اقترفه من جرائم بالوثائق”. وعلمت “العربي الجديد” أن منصتي القاهرة وموسكو تقدّمتا بـ”اعتراض” للموفد الأممي على وفد الهيئة العليا في محاولة للضغط عليها من أجل الموافقة على تمثيلهما في الوفد بعضوين لكل منصة.
ولا تزال قائمة وفد المعارضة إلى جولة جنيف الرابعة غير ثابتة، إذ أضيف رئيس وفد الفصائل العسكرية في مفاوضات أستانة محمد علوش، إلى الوفد. وشدد أحد أعضاء الوفد الاستشاري للمعارضة لـ”العربي الجديد” على أن المعارضة “لن تقبل فرض الهزيمة عليها” في مفاوضات جنيف المقبلة، مشيراً إلى أن المعارضة لديها “أوراق قوة”، قائلاً إن “بشار الأسد بات عبئاً حتى على حلفائه الروس”، معرباً عن قناعته بأن موسكو تسعى إلى “إنجاز شيء في جنيف وبات لديها قناعة بأنه من المستحيل اقتلاع 23 مليون سوري من أجل بقاء عصابة في السلطة”.
وأوضح عضو الوفد الاستشاري، أن لدى المعارضة “رؤية سياسية” لمستقبل البلاد، قدّمتها إلى مجموعة الدعم الدولي لسورية العام الماضي، وتحظى بدعم دولي، وتدعو إلى تشكيل “هيئة حكم انتقالي بعد رحيل الأسد ونظامه، وتمتد 18 شهراً”، وتشكيل “مجلس عسكري مشترك يخضع لإشرافها، يضم ممثلين عن قوى الثورة وجيش النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين”. وأكد أن المعارضة ملتزمة بـ”ضمان وحدة سورية، واعتبار القضية الكردية قضية وطنية، والعمل على ضمان الحقوق القومية واللغوية والثقافية للمواطنين الكرد دستورياً، والاستعانة بالمجتمع الدولي لمحاربة المليشيات الطائفية والإرهابية”.
ميدانياً، تواصلت المعارك التي تخوضها قوات عملية “درع الفرات”، مع مسلحي تنظيم “داعش” داخل مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، وما زالت هذه المواجهات تراوح مكانها منذ أيام، في أعقاب تمكن القوات المهاجمة لأول مرة، من تحقيق تقدمٍ داخل أحياء المدينة، تمثل بطرد التنظيم من مواقع عدة. مقابل ذلك، واصلت قوات النظام السوري، تقدّمها البطيء جنوبي المدينة بنحو كيلومترين، إذ سيطرت أمس وقبله، على قريتي المشرفة وبيجان، فيما دارت معارك بين الطرفين أمس في محيط بلدة تادف (الخاضعة لداعش).
وفي سياق المعارك بين النظام و”داعش”، تراجع الأخير من مناطق نفطية كانت خاضعة له في ريف محافظة حمص الشرقي، إذ تحدثت مصادر محليّة لـ”العربي الجديد”، عن سيطرة قوات النظام على كامل “شركة حيان للغاز” غرب مدينة تدمر، بعد معارك سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين. أما في جنوبي البلاد، الذي يشهد منذ ثلاثة أيام معارك اندلعت بعد فترة هدوء دامت لأشهر بين قوات النظام من جهة، و”غرفة عمليات البنيان المرصوص” من جهة أخرى، أفاد الناشط أحمد المسالمة، لـ”العربي الجديد”، بتواصل المواجهات في حي المنشية في مدينة درعا، بينما تعرضت بلدات بصرى الشام والمسيفرة والجيزة وتل شهاب والنعيمة لقصف مدفعي وجوي من قوات النظام. ولفت المسالمة إلى أن الطيران الروسي وطيران النظام، شنا غارات بشكل غير مسبوق أمس على مدينة درعا وريفها. في شأن آخر، سيطرت “هيئة تحرير الشام” على كامل بلدة تل عاس في ريف إدلب الجنوبي شمال سورية، بعد اشتباكات مع “لواء الأقصى”، وقع على إثرها قتلى وجرحى من الطرفين، بحسب ما ذكرته مصادر ميدانية لـ”العربي الجديد”.
العربي الجديد