حوَّل الزعيم الدرزي اللبناني، النائب وليد جنبلاط، الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، الأحد 19 مارس/آذار 2017، مناسبة لتقليد نجله تيمور الزعامة في احتفال شعبي حاشد شهدته بلدة المختارة، عرين الدروز في جبل الشوف اللبناني، في ظل تحد سياسي كبير يواجه الطائفة الدرزية التي تعتبر نفسها أنها مؤسسة لبنان الحقيقية.
وخلع جنبلاط وشاحاً كان يرتديه يحمل رمزية فلسطينية ووضعه على كتفي نجله، مفتتحاً بذلك حقبة جديدة من الوراثة السياسية لمسيرة عائلته التي حكمت جبل لبنان على مدى عقود منصرمة.
حضور لافت
وتوافدت الحشود التي جاء معظمها من قرى درزية إلى دار جنبلاط في بلدة المختارة، وفي حضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، ووفد من حركة أمل برئاسة النائب علي بزي ممثلاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وممثل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وزير الصناعة حسن الحاج حسن، وفعاليات سياسية ودينية.
احتفال مغاير
وعلى الرغم من أنه جرت العادة خلال الأعوام الماضية، أن يتم الاحتفال بوضع الزهور على ضريح كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، دون أي طابع مهرجاني أو خطابي، إلا أن احتفال هذه السنة جاء مغايراً، مع وجود أجواء متوترة تعيشها الطائفة، حيث اقتضت دواعي المرحلة الراهنة إعادة تأكيد الزعامة الجنبلاطية، ودورها وحضورها في ظل الحملات التي استهدفتها، وخصوصاً على خلفية قانون الانتخاب.
تهميش جنبلاط
ورداً على الأسباب الكامنة وراء ذلك الاستنفار وتنظيم مهرجان شعبي بهذا الحجم، قال مصدر قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه جنبلاط لـصحيفة “النهار” اللبنانية إنه لم يعد مسموحاً تجاوز وليد جنبلاط وما يمثله وتهميشه واستهدافه.
وقال المصدر: “سكتنا بما فيه الكفاية، والناس ستتوجه إلى المختارة (مقر قصر جنبلاط) لتأكيد دورها وحضورها وزعامتها أمام ما تتعرّض له من حملات، وتصويرنا كأننا من يعرقل قانون الانتخاب، إضافة إلى أمور كثيرة أضحت لا تُطاق، حتى باتت هذه التحركات واجبة.
وأضاف: “جاءت تلك الحشود لتؤكد أنه من غير المسموح تحت أي طائل المسّ بوليد جنبلاط ومصالحة الجبل (مصالحة بين الدروز والمسيحيين بعد الحرب بينهما)”.
وكان الاحتفال محطة مفصلية وحساسة على مستوى المنطقة والداخل، وعلى الرغم من التنوع الطائفي والمناطقي الذي تميز به الحضور، إلا أن ذلك لا يخفي الهدف الحقيقي الذي تم تنظيم الاحتفال لأجله، ألا وهو رد جنبلاط والدروز على الغبن الذين يصرون على أنه يطالهم، ولاسيما في القوانين الانتخابية التي يسعى الفريق الآخر إلى فرضها.
ويشعُر الدروز اليوم حسب تقرير لصحيفة الأنباء الكويتية، أعادت نشره االصحيفة الرسمية للحزب الاشتراكي الذي يتزعمه جنبلاط؛ أن دورهم في تركيبة الدولة يتقلَّص، كما أنأ دورهم السياسي مُهدد من جراء بعض الاقتراحات التي تهدُف لإقرار قانون انتخابي جديد، لصالح القوى الأكثر عددا. وهذا الأمر لا يمكن لهم التسامُح فيه -خصوصاً في الجبل- لأنه قد يحولهم إلى مواطنين من درجة ثانية، حسب تعبيرهم
حقيقة مجلس الشيوخ
وازدادت هذه الالهواجس إثر اقتراح اعتبروه استفزازا كبيرا لهم، ففي خضم الجدل حول قوانين الانتخابات، طرح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إنشاء مجلس للشيوخ، على أن يكون رئيسه مسيحياً.
وغضب الدروز لأن كل الأفكار التي سبق أن طرحت حول هذا الموضوع كانت تُجمع على أن تذهب رئاسة هذا المجلس المقترح عرفاً إلى الطائفة الدرزية، وبالتالي أشعل باسيل الذي يترأس أكبر تيار مسيحي (التيار الوطني الحر) أثائرة الدروز الذين كانوا يطمحون لرئاسة المجلس المذكور.
استنكار درزي
ويبدو أن ثائرة الدروز على باسيل لم تنحصر بالجنبلاطيين بل تعدت ذلك إلى خصومهم التقليديين من الزعامات الدرزية، فرد رئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب، على باسيل، في تغريدة عبر صفحته على “تويتر” بالقول “صديقي جبران، الكلام عن رئيس مسيحي لمجلس الشيوخ مرفوض وتعرف موقفي من المسيحيين، لكن الدروز بحاجة لضمانات وليس غيرهم، رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان أهم ثلاثة مواقع في الدولة للمسيحيين، فهل تبادل أحدها بمجلس شيوخ ونحن نقبل، نحن لن نقبل باستمرار تهميشنا وحقنا عبر مجلس شيوخ، وليس عبر قانون انتخاب يربحنا نائباً تافهاً أو اثنين.
وأردف قائلاً “إن اقتراح مجلس الشيوخ قدَّمه توفيق عساف في اتفاق الطائف، والاتفاق الشفهي كان أن يتولاه درزي، ولن نتنازل عن هذا الحق”.
كما رد وزير المهجرين رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، فقال “نحن لا نقبل على الإطلاق الدخول بسجال حول رئاسة مجلس الشيوخ مع أحد، وإنما نقول إنه يجب أولاً أن نتفق حول هذا المجلس وتأسيسه ومهامه، وعلى المساواة المذهبية بين كل الفئات الطائفية والمذهبية، وليس النسب فى التمثيل، وإلا عندئذ يصبح من غير اللزوم تأسيس مجلس شيوخ، خصوصاً إذا كان ذلك سيتم على قاعدة النسب المذهبية الموجودة في المجلس النيابي الحالي”.
الاشتراكي يرد
أما ردّ الحزب الاشتراكي على كلام باسيل، فشرحه مفوّض الإعلام في الحزب، رامي الريّس لصحيفة “النهار” اللبنانية، حيث تساءل بداية “هل تأسس مجلس الشيوخ واتفق عليه، قبل السجال على رئاسته؟” مؤكداً أن “محاضر اتفاق الطائف كانت واضحة، النقاشات والمناخات كانت باتجاه حسم موضوع رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة الدرزية، ومع ذلك أقول نحن بغنى اليوم عن الدخول في سجال حول موضوع لا يزال في الغيب، في مسألة غير مكتملة العناصر، فلنختصر مثل هذه الملفات وعندما تتبلور الظروف لإنشاء هذا المجلس لكل حادث حديث”.
قانون الانتخابات
وجاء الطرح الخاص بإنشاء مجلس الشيوخ ليصب الزيت على النار بالنسبة للدروز، لأنه سبقه أصلاً ضغوط ونقاشات حادة حول تغيير قانون الانتخابات الحالي المعروف بقانون الستين، الذي يجعل المحافظة هي أساس الدائرة في كل مناطق لبنان ما عدا مناطق الدروز.
وتدعو أغلب المقترحات إلى اعتماد النسبية (القائمة) في الانتخابات مع توسيع الدوائر، أو جعل لبنان دائرة واحدة، مما قد يؤدي إلى تقليل قوة الدروز الانتخابية نظراً لقلة عدد الطائفة.
ولا يتحمس للنسبية تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، أما أكثر من يعارضها فهو الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي قال بوضوح إن اعتماد النسبية في قانون الانتخابات يؤدي إلى حالة من عدم التوازن في التمثيل، وفي ظل الطائفية التي تسود البلاد.
وسبق أن قالت أوساط درزية مطلعة، إن النائب وليد جنبلاط لا يمكن أن يوافق على النسبية؛ إذ إنه لا يمكن أن يوقِّع على قانون انتحاره، وسيقاتل بما أوتي من قوة لإفشال هذا المشروع، وشارعه الدرزي بات مستنفراً ضد هذا الخطر الوجودي المتمثل بالنسبية.
وتساءلت هذه الأوساط: كيف يمكن لجنبلاط أن يقتنع بالنسبية في ظل هذا الواقع، حيث يبلغعدد الناخبين الدروز في كل لبنان 205.137 ناخباً فقط، ولهم 88 نواب، وبالتالي القانون النسبي سيقلل وزنهم السياسي لأنه سيجعل عدداً من النواب الدروز ينتخبون من غير الدروز.
وهو الأمر الذي يشكو منه المسيحيون حالياً؛ إذ يقولون إن العديد من نوابهم بالبرلمان يتم انتخابهم من قبل الناخبين المسلمين، وفقاً للقانون الحالي.
ووصل الأمر إلى درجة أن بعض المصادر نقلت عن جنبلاط أنه سيدعو الدروز لمقاطعة الانتخابات النيابية، وبالتالي ستكون هذه الانتخابات خارج ميثاق العيش المشترك إذا قاطعها الدروز، وهم طائفة لها دور أساسي في كيان لبنان، واستطاعت الحفاظ على وجودها طوال 1000 سنة، وأسست مع المسيحيين لبنان الكبير، وإذا كان البعض يستخفّ بمقاطعة الدروز للانتخابات النيابية، فإن مقاطعتهم ستؤدّي إلى بطلان المجلس النيابي الجديد، حسب قولهم.
دروز إسرائيل يتحركون
اللافت أن دروز إسرائيل خرجوا عن صمتهم وعن نهجهم المعهود بعدم التدخل بشؤون أي دولة عربية يسكن فيها إخوتهم من الطائفة، حيث أصدروا بياناص يدعو اللبنانيين لعدم المس بكرامة ومكانة الطائفة الدرزية في لبنان، عبر سن قانون انتخاب جديد لا يراعي الدروز، كما يقول البيان، الذين هم من المؤسسين ومن المدافعين عن الدولة اللبنانية.
وحذر البيان من المس بكرامة الدروز في لبنان، والانتقاص من حقهم وتمثيلهم في البرلمان.
وقال الشيخ رياض حمزة، رئيس المكتب السياسي لجمعية حفظ الإخوان في أراضي 48: “إن بعض الجهات والقيادات الفاعلة سياسياً على الساحة اللبنانية تقوم بمحاولة إقرار قانونٍ جديد يحاولون من خلالها تجاهل دور الإخوة اللبنانيين، أبناء معروف (الدروز)، وسلبهم حقوقهم المشروعة التي حصلوا عليها بمقاومتهم للاستعمار على أشكاله، وبعد أن أثبتوا وطنيتهم التي لا تحدها حدود، وهذا ما لا نرضى به أو نتقبله بأي شكل من الأشكال.
موقف الدروز الأخير من قانون الانتخابات ومسألة مجلس الشيوخ هو حلقة من سلسلة طويلة من محاولتهم للحفاظ على مكانتهم السياسية منذ مئات السنين، وخاصة مع جيرانهم الموارنة الذين يشاركونهم الحياة في الجبل.
فالدروز يعتبرون أنفسهم مؤسسي لبنان، حيث يقولون إن أسلافهم قبائل عربية قحة (التنوخيين) وصلت إلى أرض لبنان، واستوطنوا فيه. ثم جاءهم التكليف الشهير بحماية الثغور، للدفاع عن الإمبراطورية العربية (من الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور)، فكانوا خير من يحمي الثغور، كما قال أحد أبرز زعمائهم طلال أرسلان، خلال لقاء سابق مع البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي.
ويضيف أرسلان “في سياق تنفيذ المهمة، فإن جاذبية أرض لبنان وضحت لهم من خلال الحرية، فقرروا أن يكون لإمارتهم حكم ذاتي من دون أن يتنكروا للعروبة ولإمبراطوريتها.
تعبر الكلمات التي قالها أرسلان سليل أحد أعرق الأسر الدرزيّة لضيفه الماروني الكبير عن هواجس الدروز، الذين كانوا أمراء جبل لبنان وحكامه لقرون، وعرفوا بالمهارة في الحرب والسياسة معا، ولكنهم أكثر ما هزمهم الديموغرافيا وخلافاتهم الداخلية التي جعلتهم أقلية في الجبل، الذي كان يحمل اسمهم، مع تزايد عدد ووزن الطائفة المارونية السياسي والاقتصادي.
يوم الحشد
وتمثل غضبة الدروز الأخيرة محاولة أخيرة لتحدي هذه التغيرات الديموغرافية والسياسية.
إذ يسعى جنبلاط للحفاظ على وزنه طائفته السياسي، ولهم 8 نواب، بينما يبلغ عدد الناخبين الدروز في كل لبنان 205.137 ناخباً في مقابل 1.062.102 ناخب سني وعلوي، و1.034.763 شيعياً و1.326.112 مسيحياً، حسب ما نشرته صحيفة الديار اللبنانية.
قوة الدروز الأساسية في قضائي الشوف وعاليه تتعرض لمخاطر كبرى، إذ يبلغ عدد الناخبين الدروز 130.506 ناخباً مقابل 123.586 ناخباً مسيحياً، 59.565 ناخباً سنياً، 8302 شيعي، وبالتالي إذا تحالف السني مع المسيحي خرج الدروز من معقلهم التاريخي في الشوف وعاليه، وخسروا جزءاً أو كل الحصة الدرزية المؤلفة من 4 نواب، فماذا يبقى لجنبلاط في عقر داره؟
وفي ظل هذه الأجواء والأرقام، كيف يمكن لجنبلاط أن يوافق على النسبية وعدد الناخبين المسيحيين يفوق ستة أضعاف ونصف عدد الدروز، بينما الشيعة والسنة يفوق 5 أضعاف الدروز، وبالتالي لا يمكن لجنبلاط أن يمضي على قانون “انتحاره” بالنسبية، والأفضل أن يقاتل بكل ما يملك من قوة لإفشال ذلك، وهذا ما سيحصل والمنازلة قادمة والشارع الدرزي بات مستنفراً ضد الخطر الوجودي المتمثل بالنسبية (القائمة)، حسب تقرير صحيفة الديار.
وفي هذا الإطار ، يقول أحد الكتاب اللبنانيين تعليقاً على مخاوف قيادات الدروز، إنه إذا كانت القيادات المارونية تريد معاملة مميزة للمسيحيين في لبنان بصرف النظر عن العدد، ومراعاة حساسيات تاريخية، عليها تطبيق المبدأ نفسه على الموحدين الدروز.
ومن هنا شكل “يوم الحشد” الذي شهده الجبل مناسبة لإطلاق الزعيم الشاب تيمور (بك) جنبلاط في المعترك السياسي، بعد فترة تدريبية طويلة من خلال الاستقبالات الأسبوعية في قصر المختارة للوفود الشعبية والبلديات وسواها، وبرزت أخيراً إطلالته الإعلامية، وإن بكلام مقتضب ومقنّن، لكن من المتوقع أن يزيد “العيار” بعد الانتخابات النيابية.
كما حمل المهرجان رسائل في اتجاهات عدة، منها واضحة المعالم وأخرى مبهمة، ولكنها جميعها تطلق صرخة درزية، يُسمع صداها في الأرجاء، تقول: “كنا موجودين وسنبقى موجودين”.
المصدر:هافيتغتون بوست عربي