تعود الأوضاع في محافظة درعا، جنوب سورية، إلى أنظار مراكز القرار في عمان في ضوء التطورات الأخيرة، سواء على صعيد تداعيات ما يحدث في حلب، أم بسبب حالة التململ التي تسود في أوساط الجبهة الجنوبية (الجيش الحر) في اللحظة الراهنة.
فعلى الرغم من أنّ هنالك هدوءاً نسبياً يسود في المحافظة، بعدما فشلت محاولات النظام السوري وحلفائه السابقة في استعادة السيطرة على أغلب المناطق التي فقدتها سابقاً، واكتفت، قبل شهور، بالسيطرة على بلدات استراتيجية، قبل أن تتوقف الحملة؛ إلاّ أنّ ما حدث في حلب من تمكّن المقاومة من صدّ الهجوم الكبير من النظام وحلفائه وكسر الحصار، والعتاب الذي أبدته فصائل حلب تجاه فصائل درعا، لعدم قيامها بأيّ رد فعل لتخفيف الضغط على المحاصرين في حلب، وانعكس ذلك كله على عدم رضى فصائل عديدة عن الهدنة الحالية مع النظام.
يتحدث قادة ونشطاء في درعا عن “الهدنة” الحالية، بوصفها مفروضة عليهم، وضغوطاً تمارس عليهم من غرفة الموك العسكرية (غرفة العمليات العسكرية العربية والغربية في الأردن الداعمة فصائل الجنوب)، عبر تقنين الدعم العسكري والمالي وتحجيمه فقط في سياق المواجهة مع داعش، خصوصاً مع تنامي حضور التنظيم (جيش خالد بن الوليد) في قرى حوض اليرموك والمناطق الجنوبية الشرقية من سورية المحاذية للأردن.
ما زاد الطين بلة الخلافات داخل فصائل الجبهة الجنوبية والصراعات الداخلية بينهم، وشعور بعض قادة الفصائل أنّ الدعم العسكري والخارجي من “الموك” يحابي البعض على حساب آخرين، وبدرجة من الوصاية الخارجية التي تفرض عليهم، بخلاف وضع كل من جيش الفتح (جبهة النصرة وأحرار الشام) وتنظيم داعش اللذين يتمتعان باستقلالية كبيرة، لعدم ارتباطهم بالدعم الخارجي.
على الطرف المقابل، من الواضح أنه ليس لدى الأردن تصور استراتيجي- بعيد المدى للتعامل مع درعا، إذ يكتفي بالجانب التكتيكي- قصير المدى، مترقباً التطورات والتحولات في المشهد السوري، بعد أن أعاد الروس هيكلة موازين القوى لصالح النظام وحلفائه في مناطق كثيرة، وبعد الاستدارات الدولية والإقليمية التي جعلت من قتال داعش أولوية على إسقاط النظام، أو رحيل الأسد، بل حتى أصبح الموضوع الأخير غير مطروح عسكرياً من الأوروبيين والأميركيين، ودول عربية أخرى.
تربط دوائر القرار في عمان “سيناريوهات درعا” بما سيحدث في حلب، بدرجة رئيسة، فإذا تمكّن النظام من إنهاء المعارضة والقضاء على عاصمتها في الشمال، عبر النفوذ العسكري الروسي بالتأكيد، فإنّ درعا ستكون مرشحةً لأن تكون المحطة التالية، وهي التي تحظى بأهمية خاصة لدى النظام والإيرانيين وحزب الله.
أما إذا تمكّنت المعارضة من فك الحصار كلياً وقلب الوقائع هناك، فذلك سيعزّز من حالة التململ في درعا أيضاً، وسيقوّي من الصوت الذي يطالب بإنهاء الهدنة والتمرد على تعليمات “الموك”، وفتح جبهات مع النظام، ما سيعزّز من حضور جيش الفتح، بصورة أكبر من الفصائل الأخرى، سواء داعش التي لا تشارك في معركة المدينة، أو فصائل الجيش الحرّ التي تم تجميدها في معركة النظام.
أدار الأردن الحالة في درعا منذ البداية، بتنسيق مع حلفائه الغربيين والعرب، بصورةٍ تكتيكية، مرتبطة بتطورات المشهد، لكن الأمور في درعا لا تبدو مريحةً، كما كانت عليه الحال سابقاً، وخصوصاً بعد التدخل الروسي والهدنة العسكرية معهم في الجنوب، التي اخترقتها قوات النظام السوري وحزب الله أكثر من مرة، ما شكّل صداعاً للأردن في تلك اللحظات.
يبدو الوضع في درعا اليوم أكثر حساسية وهشاشة، وغياب الرؤية في ظل رهان الأطراف كافة على رسم تسويةٍ مرتبطةٍ بموازين القوى العسكرية، يؤثر كثيراً على الحالة المعنوية، وتماسك الفصائل الجنوبية وعلاقتها بالأردن خصوصاً، وغرفة الموك عموماً.
إذا لم يكن هنالك تفاهمات وحوارات وإشراك لأهل درعا في اتخاذ القرارات التي تخصهم، ومراجعة نقدية للحالة هناك، فليس مستبعداً أن تبدأ الأمور بالانفلات، وترتفع وتيرة الفوضى، بعدما كانت درعا نموذجاً على الانتصارات العسكرية والتنظيم وتجنب فوضى الشمال.
العربي الجديد_محمد أبو رمان