تتوقف دراسة للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية في رام الله (مدار) عند الدلالات الخفية لانفراد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في اتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية مع تغييب شركائه في الحكومة متسائلة عن حقيقة كونه خياراً استراتيجياً إسرائيلياً ومصلحة إسرائيلية.
كما تتساءل فيما إذا كان اتفاق التطبيع خيارا أمريكيا ينطوي على مصلحة للولايات المتحدة أو مصلحة للرئيس دونالد ترامب وإدارته على وجه الدقة.
وضمن استنتاجاتها تؤكد الدراسة رغبة نتنياهو في الحصول على زخم سياسي كما تتضّح، لغاية اللحظة على الأقل، من خلال عدم تحرّكه بشكل جدّي للضغط على الإدارة الأمريكية وتفعيل وسائل الضغط على الكونغرس كما فعل قُبيل توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس باراك أوباما قبل عدّة سنوات بما يتعلق ببيع أسلحة متطورة للإمارات.
وتقول إن استمرار نتنياهو في وصف الاتفاق مع الإمارات والاتفاقات التي ستليها كما يروّج لذلك هو وطاقم ترامب بأنها “تاريخية” رغم بعض “الثغرات الأمنية” التي يتضمنها الاتفاق بحسب المصادر والتحليلات الإسرائيلية، يُشكّل طوق نجاة يُمكن التمسُّك به للتعويض عن خسارته المُتوقعة بسبب تخلّيه المؤقّت- السابق للاتفاق- عن تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، ومُحاولة منه لتقديم تنازلات شخصية لإدارة ترامب التي أبدَتْ تماهياً غير مسبوق مع توجّهاته لا سيّما في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، منذُ وصول هذه الإدارة للبيت الأبيض.
كما تقول إنه في الوقت نفسه، لا يُمكن صرف النظر عن المصالح الأمريكية التي يتضمّنها الاتفاق، فإلى جانب كونه إنجازاً سياسياً يتمثّل في منح بعض دول المحور المُناهض لإيران مجموعة من الأسلحة المُتطورة وتطبيع علاقات إسرائيل مع دول المنطقة والالتفاف على حقوق الفلسطينيين عبر إقامة اتفاقات ثُنائية بين إسرائيل وبعض الدول العربية تنفيذاً لصفقته المعرفة بـ”صفقة القرن” المرفوضة فلسطينيا فهو أيضاً يحقّق مصالح أمريكية اقتصادية، تتمثّل في تلبية ترامب لرغبة شركات الأسلحة الأمريكية في الحصول على المليارات الإماراتية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تؤججها جائحة الكورونا داخل الولايات المتحدة.
وبرأيها فقد جاء هذا الاتفاق لإكساب هذه الخطوة شرعية إسرائيلية استناداً لمبدأ التزام الولايات المُتحدة بالحفاظ على “أمن إسرائيل” وضمان تفوّقها العسكري في المنطقة. وترى أيضا أن اتفاق التطبيع يُعبّر عن رغبة إدارة ترامب في التغطية على فشلها في فرض صفقتها المعروفة بـ”صفقة القرن”، على الفلسطينيين على الأقل، وبالتالي مُحاولة منها للحصول على زخم سياسي والتظاهر بتحقيق إنجازات تصبُّ في صالح الاقتصاد الأمريكي قُبيل الانتخابات المُرتقبة.
وتتقاطع الدراسة الفلسطينية من هذه الناحية مع تحليلات إسرائيلية أيضا تصف الاتفاق بـ”سلام مقابل سلاح” ومحاولة لتعزيز مكانة ترامب ونتنياهو سياسيا. لكن دراسة “مدار” تتنبه أن كلّ ما تقدّم لا يلغي حقيقة أن هذا الاتفاق يُعزز من السطوة الأمنية الإسرائيلية في المنطقة، ولا يُقلّل من أهميته السياسية والاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل بوصفها الرابح الأكبر من هذا الاتفاق وغيره في حال استمرّت موجة الانحدار العربي نحو التطبيع المجّاني مع الاحتلال في ظلّ عدم التوصّل لحلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية الخاسرة من مثل هذه الاتفاقيات التي تُضعف الموقف الفلسطيني وتُجرّده من عمقه العربي.
وفي نفس الوقت توضح أنه لا يُمكن اعتبار حصول الإمارات على المُقاتلات والأسلحة الأمريكية المتطورة بمثابة إنجاز وانتصار للإمارات التي تعتقد بأنه من المُمكن بناء علاقات “شراكة” و”تعاون” اقتصادي وأمني وسياسي مع إسرائيل التي لا ترى نفسها في الحاضر والمُستقبل سوى كـ مركز اقتصادي وأمني وعسكري يحتاج لتحويل الدول العربية ودول المنطقة المُجاورة إلى أطراف تعتمد عليه وتُساهم في زيادة تطوّره على كافّة الصُعد.
موجة الغضب لدى اليمين
وتشير الدراسة أن أبرز ردود الفعل الإسرائيلية على اتفاق التطبيع تتركز في موجة الغضب التي انهالت على نتنياهو من مُعسكر اليمين نفسه، ليس رفضاً للاتفاق بحدّ ذاته بل رفضاً لمنح أي دولة، سواءً كانت الإمارات أو غيرها، إمكانية الحصول على أسلحة أو معدّات جديدة من شأنها المساس بمبدأ التفوّق الإسرائيلي ولا سيّما التفوّق النوعي في مجال سلاح الجو، وهو المبدأ الذي حافظت إسرائيل بمساعدة حليفتها الاستراتيجية الولايات المُتحدة تاريخياً عليه، عبر توفير الدعم الحصري لها في هذا المجال، كما في العديد من المجالات الأخرى.
وترى أن أبرز المسائل التي أثارت حفيظة المستوى الأمني الإسرائيلي هي القضايا الأمنية المُحيطة بالاتفاق، أو تلك التي تمّت مُناقشتها في أثناء المُفاوضات التي سبقته. وبهذا الماضي تستذكر تعبير رئيس الحكومة البديل ووزير الأمن بيني غانتس، وقيادة سلاح الجو كذلك، عن استيائهما من الطريقة “الملتوية” و”الخفيّة” التي اتّبعها نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي في مكتبه مئير بن شبات في المسائل الأمنية المُحيطة بالاتفاق والتي لم يتمّ إعلامهما بها قبل الإعلان عنه. فيما عبّر آخرون من كتلة اليمين عن استيائهم وغضبهم من محاولة نتنياهو الحصول على رصيد سياسي انتخابي على حساب “قضايا قومية” وفي مُقدّمتها تراجعه، أي نتنياهو، عن “تطبيق السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية مُقابل توقيع الاتفاق مع الإمارات. فيما اعتبره آخرون بمثابة محاولة من نتنياهو لحرف الأنظار والهروب من أزماته الداخلية التي يُعاني منها وفي مُقدّمتها قضايا الفساد التي تُلاحقه والمظاهرات المُطالبة باستقالته بين الفينة والأخرى.
النقاشات أمنية
وتنبه دراسة “مدار” أنه بصرف النظر عن مدى صحّة الافتراضات السابقة من عدمها، كونها افتراضات إسرائيلية تُعبّر عن مصالح شركاء نتنياهو ومُعارضيه، لا زالت القضايا الأمنية التي تضمّنها الاتفاق، أو على الأقل التي أُثيرت بعد توقيعه، تتصدّر النقاشات الإسرائيلية الدائرة حتى هذه اللحظة خاصة ما يتعلق بالطائرات من طراز “إف 35”. وتتساءل لكن السؤال المطروح هُنا هو: لماذا لم يُطلع نتنياهو شركاءه من حزب “أزرق أبيض” على مضمون الاتفاق؟ وكيف يُمكن تفسير ذلك؟ وهل يُحاول نتنياهو وترامب تحقيق إنجازات فردية من خلال هذا الاتفاق؟ يشار أن معظم المعلقين الإسرائيليين أشاروا ردا على هذا السؤال إلى الاعتبارات السياسية الانتخابية ولاختلاط الحابل بالنابل السياسي من هذه الناحية.
وفي التفاصيل تقول الدراسة إن بيني غانتس سارع إلى مُباركة الاتفاق مع الإمارات فور الإعلان عنه، لكنّه لم يُخفِ في الوقت نفسه استياءه وغضبه من استثناء نتنياهو له وعدم مُشاورته أو إعلامه بتفاصيل الاتفاق قبل الإعلان عنه، بصفته شريكاً سياسياً وبديله المُستقبلي لرئاسة الحكومة في حال استمرّت.
وفي تصريحات إخبارية قال غانتس “إن ما حدث ليس بالأمر الصحيح، أنا وغابي أشكنازي وزير الخارجية لم يتم إبلاغنا بالاتفاق، ولا بالمفاوضات التي سبقت الإعلان عنه، لم أقم بأي تسريبات كلّ حياتي، التسريبات هي لعبة أشخاص آخرين”.
وكان نتنياهو في وقتٍ سابق قد كشف لصحيفة “يسرائيل هيوم” أن عدم مُشاركته زعماء حزب “أزرق أبيض” بالاتفاقية يعود “لخشيته من أن يقود تسريب الموضوع لهم إلى نسف الاتفاق، فالهدف كان الحفاظ على سريّة الاتفاق من أجل عدم السماح لإيران والآخرين بنسف هذه الخطوة التي يعمل عليها منذ سنوات؛ غانتس وأشكنازي موجودان هُنا فقط منذ شهرين، وأعضاء أزرق أبيض يمكنهم التحدّث بلا حسيب أو رقيب مع زملائهم وسيقود ذلك في نهاية المطاف إلى ظهور الموضوع للعلن”.
دلالات سياسية
وترى هي الأخرى أن تصريحات نتنياهو السابقة تنطوي على دلالات سياسية لها علاقة بأزمة الائتلاف الحكومي المُستمرة والخلاف الدائر بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض” حول العديد من القضايا أكثر مما تنطوي على دلالات استراتيجية تُنذر باحتمالية حدوث تغيير حقيقي في آليات وقواعد اتخاذ القرار الإسرائيلي خاصّة في مثل هذه المسائل.
وتضيف “لا سيّما وأن تقارير عديدة أشارت إلى ضلوع رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين بشكل كبير في المفاوضات التي جرَت قبل الإعلان عن الاتفاق، وهذا يدلّ على أن المستوى الأمني، وهنا جهاز الموساد على الأقل، كان على علم بالمفاوضات الجارية ولم يكُن خارج الصورة بشكل كلّي، حتى وإن تمّ تجاوز بعض المسؤولين فيه مثل وزير الدفاع وقائد سلاح الجو وعدم إعلامهما بالمُفاوضات التي سبقت الإعلان عن الاتفاق”.
وتعتبر إن تفرّد نتنياهو بالمُفاوضات التي سبقت الاتفاق، أو على الأقل تفرّده باختيار الطاقم المُفاوض، واحتكاره لهذا الملف مع استبعاد شركائه من حزب “أزرق أبيض”، مردّه سعي نتنياهو لربّما للحصول على زخم سياسي، من شأنه حرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجهه بدءاً بملفات الفساد والمُحاكمة، مروراً بالمُظاهرات المُطالبة باستقالته، وصولاً لتراجعه، السابق للاتفاق، عن فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية وما يترتّب على هذا التراجع من خسارة لعدد لا بأس به من جمهور المستوطنين بشكل خاص، وجمهور اليمين بشكل عام في الانتخابات القادمة التي يُحاول نتنياهو الوصول إليها في الوقت الذي يراه مُناسباً لقطع الطريق أمام تسلّم غانتس رئاسة الحكومة، كما ينصّ على ذلك اتفاق الائتلاف الحكومي.
وتستذكر الدراسة أن وسائل الإعلام العبرية والعالمية سارعت فور الإعلان عن الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي حول تطبيع العلاقات فيما بينهما إلى الحديث عن القضايا والمسائل الأمنية المُحيطة بالاتفاق، وهي المسائل التي لم ينصّ عليها الاتفاق صراحةً؛ بل تمّت مُناقشتها خلال المفاوضات الجارية بين الطرفين برعاية الولايات المُتحدة الأمريكية. ولعلّ أبرز هذه القضايا هي إمكانية حصول الإمارات على مُقاتلات الشبح الأمريكية المتطوّرة بعد توقيع الاتفاق، الأمر الذي ترى إسرائيل في تحقّقه مساساً بمبدأ التفوق العسكري الذي تسعى دوماً، وبمُساعدة ودعم حليفتها الولايات المُتحدة الأمريكية، للحفاظ عليه باعتباره أحد أهم أُسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية منذ تأسيسها.
صفقات الأسلحة والطائرات المتطوّرة تكشف عن خبايا الاتفاق
وتقول إن هروب نتنياهو من أزماته الداخلية، ورغبته في تحقيق مكاسب سياسية ورصيد انتخابي مُستقبلي من خلال عقد اتفاقات “سلام” مع الدول العربية، مع استمرار تمسّكه بخطّة الضم بشكل علني لإرضاء جمهور المستوطنين الغاضبين من تراجعه عن فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، لا يختلفُ كثيراً عن رغبة ترامب في الحصول على زخم سياسي قُبيل الانتخابات الأمريكية يُساعده أيضاً في التغطية على فشل إدارته وطاقمه في فرض صفقته المعروفة بـ”صفقة القرن” على الفلسطينيين على الأقل هُنا، والاستعاضة عن ذلك بعقد مجموعة من اتفاقيات الاستسلام مع بعض الدول العربية التي لم تكُن في حالة حرب أو عِداء مع إسرائيل وتربطها بها علاقات سريّة منذ وقتٍ طويل.
كما تعتبر أنه بالإضافة إلى أن ترامب يسعى من خلال هذه الاتفاقيات إلى إرضاء بعض شركات الأسلحة الأمريكية الساعية للحصول على المليارات الإماراتية والخليجية مُقابل الأسلحة والطائرات المُتطوّرة، وهو الأمر الذي لا يُمكن تحقيقه بدون موافقة إسرائيلية استناداً للالتزام الأمريكي التاريخي بالحفاظ على “أمن إسرائيل” وضمان تفوّقها العسكري النوعي في الشرق الأوسط.
نقلا عن القدس العربي