داريا التي سجلت حكايتها في كتب تاريخ الثورة السورية بكلمات قليلة، صوّرت لنا حكاية شعب بأكمله اختار النضال وسيلة للعيش والبقاء على أرضه رغم كل المعاناة التي يعيشها، اليوم تستكمل فصول حكايتها، فمن الحصار والجوع إلى النزوح والتهجير القسري، مساومة بشعة فرضها النظام على أهل داريا وقدموا عرضهم الأخير بحسب ما ورد في الجزيرة (أن ابنة قائد الفرقة الرابعة ترأست وفد النظام في المفاوضات مع المعارضة المسلحة، حيث هددت بأن هذه آخر فرصة للتفاوض، وأنه ستتم إبادة كل سكان داريا في حال رفضت قرارات الوفد) فاستمرار الحياة يعني التخلي عن الأرض بمفهوم النظام، فاوض بين التهجير القسري والبقاء أحياء من جهة والتدمير والقتل الشامل من جهة أخرى.
وقفت “صبا” بالقرب من حافلات النزوح التي ستقلّهم نحو واقع جديد، راقبت بعيون تملؤها الدموع، كومة من الحجر هنا وبقايا منزل هناك وفسحة من الأرض كانت سابقا ملعبا لأطفال الجوار، تحدثت لأخيها كمن يوجّه وعدا: (لن يطول بنا الزمن حتى نعود، ستبارك عودتنا أمنا داريا، سوف نبني الحجارة بأيدينا، ونسكن بيوتنا رغم أنف الحاقدين).
راقب عامر أخته التي غصت بكلمات الوداع؛ هو يعلم بما تشعر؛ فحرقة القلب عند النزوح من الديار تفوق كل حرقة: (رحيلنا مقابل حياتنا لا يعني هزيمتنا؛ اخترنا الإنسان على الحجر، فما قيمة الأم بلا أبناء، وما قيمة الأرض دون أهلها البررة، نحن زرعنا الأمل بقلوب أبنائنا، سنعود ولو بعد حين) كانت هذه آخر الكلمات التي لفظها عامر لأخته قبل أن يصعد للحافلة.
الآن .. تم افراغ داريا من أهلها، هاجروا تاركين وراء ظهورهم كل غالٍ.. “أبوالوليد” من شباب داريا قال كلماته بدل كلمات الوداع: (يعتقد النظام أنه حقق نصرا علينا، هو منعنا من حمل كل ما هو غالٍ وثمين من مقتنياتنا، لكنه في الحقيقة هو الخاسر؛ نحن حملنا معنا ما هو أثمن؛ حملنا عشق الأرض، وذكرياتنا التي امتزجت بتراب داريا المشبع بدماء الشهداء، والإنسان الذي اعتزت به داريا؛ فهو من صنع لها المجد والخلود، فما قيمة الأم بلا أبنائها؟!).
المعاناة التي تحمل وطأتها أهل داريا أكبر من أن تقاس بذهب أو مال، نداءات واستغاثات أطلقها أهالي داريا ومن قبلهم آلاف من أهالي سورية المهجرين خلال سنوات الثورة، يناشدون المجتمع الدولي بحل أزمتهم لكن أصواتهم توقفت عند جدران الصمت الذي اتخذه المجتمع الدولي موقفا له.
تم نقل المدنيين من داريا إلى مراكز إيواء في الكسوة وقدسيا وهما منطقتان خاضعتان لسيطرة النظام وسط تخوف أممي ومطالبة بحمايتهم وضمان سلامتهم.
يبقى السؤال؟ أي مصير ينتظر أهل داريا الذين حملوا إلى مراكز الإيواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، هل ستكون حالهم أفضل حالا ممن اتجه باتجاه الشمال السوري؟
هدى محمد – المركز الصحفي السوري