تقول السيدة دلال “لعلهم بدؤوا وقف إطلاق النار”، في إشارة منها لمحادثات جنيف التي سمعت عنها بالضرورة من الآخرين، فأجواء الحصار التي عزلت مدينتها داريّا (ستة كيلومترات جنوب غرب دمشق) كافية لجعلها آخر من يعلم لماذا تتركز أنظار العالم على تلك المدينة السويسرية هذا اليوم.
بحلول الظهيرة، استدعى الهدوء على الجبهات قرارا آخر للأسرة المحاصرة، فالمحادثات المستمرة منذ يومين قد تقرر في أي لحظة جانبا من مصيرهم المجهول بعد حصارٍ يمتد ثلاث سنوات، ولا بدّ من نشرة أخبار تطلعهم على شيء مما يجري هناك.
يقول أحمد والد عمير في محاولة منه لتبديد جانب من الهدوء الوحشي الذي ساد في الأجواء، “لا يعلم اليابانيون كم هي جبارة قوة محركاتهم التي يصنعونها”.
وأردف بعد أن أفرغ مزيجا من عطور ومشتقات ناتجة عن حرق المواد البلاستيكية في خزان وقود المولد الكهربائي: “حين تنتهي الحرب لن أكون مضطرا لفعل ذلك، لكننا لا نزال محاصرين نتكيف مع الوضع قدر ما نستطيع”.
لم يتسنَّ لأسرة أحمد مغادرة المدينة بسبب المال، وفضلت البقاء مع ألفي أسرة أخرى في منازلهم المعرضة للقصف، وهم يتطلعون اليوم إلى حل يخفف عن أطفالهم عناء الحصار ويوقف عنهم القصف الذي أصبح هستيريا منذ إعلان اقتراب موعد المحادثات قبل أشهر.
ووفقا لخبرة أحمد الطويلة في التعامل مع أعمال القصف، فإن صوت طائرة الاستطلاع الذي تردد فجأة مبددا ساعات الهدوء الحذِر، يعني أن الحوامات لا بدّ أن تعود وترمي البراميل في أي لحظة.
إحباط وعجز
مع الكثير من الخيبة عاد أحمد إلى برنامجه اليومي المعتاد، فعلى عمير أن ينهي فترة لعبه ويعود إلى عالمه الرطب في القبو تحت الأرض، تزامنا مع إعلان دي ميستورا تأجيل المحادثات إلى جولة ثانية.
يتمتم أحمد محاولا كسر خيبة أسرته “في النهاية سنتعامل مع ساعات الطمأنينة التي عشناها لنصف يوم وكأنها لحظات منفلتة من الزمن (…) سنرحل إلى منطقة أكثر أمناً حين يتسنى لنا ذلك”.
على هذا النحو، تبخر أمل الأسرة الطارئ في وقف إطلاق النار، بينما كانت الطائرة التي رمت براميلها تضع حدا للتكهنات التي افترضت أن ساعات الهدوء الحذر ستكون مقدمة لأيام قادمة تغيب عنها لغة الموت.
تحمل آراء العديد من المحاصرين الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت الكثير من الشك والحذر حيال نتائج المحادثات التي تعقد في جنيف، بينما تستمر القوات الحكومية بمزيد من التصعيد مدعومة بغطاء جوي روسي. معتقدين أنها معدة سلفا لصرف انتباه العالم عن خطة مبيتة للإجهاز على من تبقى من الثائرين.
أبو نديم مواطنٌ آخر من داريّا، فقد ثلاثة من أفراد أسرته في ليلة واحدة خلال عبورهم إلى منطقة آمنة قبل أيام، يبدي رأيه حيال محادثات جنيف قائلا إن “احتمال التوصل إلى تسوية في جنيف أمر مستحيل، إن النظام يجهز علينا في هذا الوقت الضائع”.
ويتساءل أبو نديم (59 عاما) “إن كان العالم يعجز عن ردعه (الأسد) في قصفنا بالبراميل، فكيف سيقنعه بالرحيل؟”.
وبخلاف أحمد، ينوي أبو نديم أن يتابع حياته مع من تبقى من أفراد أسرته أيا كانت العواقب، حيث عاش خلال السنوات الأخيرة أقصى ما يكمن للمرء تحمله، إذ يقول إن “الموت -الذي هو أسوأ ما يحدث بنظر الآخرين- اختبرناه بكل الطرق”.