ما يقارب الأربع سنوات منذ كانون الأول/ديسمبر من عام 2012، تعيش مدينة داريا السورية حصارا فرضته عليها قوات النظام السوري، قطع ذلك الحصار داريا عن العالم الخارجي وقطع عنها مختلف سبل الحياة وطرق العيش.
تعد داريا من أكبر مدن غوطة دمشق الغربية، إذ تبلغ مساحتها 30 كيلومترا مربعا ويقارب عدد سكانها الـ 300 ألف نسمة إلا أن هذا العدد تقلص بشكل كبير بعد اندلاع الحراك الثوري في سوريا في منتصف آذار/مارس من عام 2011، فحسب المجلس المحلي لمدينة داريا وبعد الإحصائية التي أجراها العام الحالي، لم يتبق من سكان داريا سوى ما يقارب ثمانية آلاف نسمة بينهم 500 طفل يعيشون حياتهم في أقسى الظروف في ظل الحصار المحكم عليهم.
” عاصمة البراميل المتفجرة ” اسم أطلقه “ستيفن أوبراين” مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على مدينة داريا، إذ أكد المجلس المحلي للمدينة أن قوات النظام أسقطت في أسبوع واحد من شهر حزيران/يونيو الماضي 309 برميلا متفجرا على مدينة داريا وفي يوم 20 من الشهر نفسه استهدفت المدينة بأكثر من ستين برميلا متفجرا من قبل مروحيات قوات النظام، فتعتبر أكثر من 80 % من البنى التحتية في المدينة مدمرة بشكل كامل من قبل مدفعية النظام وراجمات صواريخه في دمشق أو من قبل الطيران الحربي والمروحي الروسي والسوري، فقد قدر عدد البراميل التي انهمرت على المدينة بما يقارب 6500 برميل متفجر.
11000 كتاب تم جمعهم في مكتبة واحدة بعد استخراجهم من تحت ركام المباني المهدمة في المدينة ليشكلوا مكتبة واسعة تضم مختلف أنواع الكتب والمراجع، أما مجد شربجي من مدينة داريا فقد استلمت جائزة أقوى امرأة في العالم لعام 2015، فرغم الحصار والدمار ما زالت داريا مدينة صمود وتضحية تثبت لقوات النظام أنها ستبقى صامدة مهما ازدادت آلة العنف والقصف.
حتى شهر أيار/مايو من العام الحالي، قدمت داريا ما يقارب 2500 شهيد بحسب قاعدة بيانات شهداء الثورة، فكانت أول قطرة دم سالت في داريا بتاريخ 22 نيسان/ أبريل من عام 2011 بعد إطلاق قوات الأمن التابعة للنظام السوري الرصاص الحي والمباشر على المتظاهرين الذين خرجوا في مظاهرة لإسقاط النظام السوري، وكانت أكبر مجزرة في المدينة في 25 آب/أغسطس من عام 2012 يوم قامت قوات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري التابعين لقوات النظام السوري بقتل أكثر من 300 مدني في المدينة، إذ كانت داريا من أولى مدن ريف دمشق المنخرطة في الحراك الثوري التي ما زالت حتى الآن تنادي وتطالب بالحرية والكرامة.
انقطاع المياه والغذاء والكهرباء بالإضافة للقصف اليومي الممنهج رغم الهدنة المزعومة، إلا أن الأهالي تعودوا على عدم وجود لتلك الهدن، فكلما كان هناك إعلان عن هدنة جديدة يصبح المواطنون في حالة ترقب لمجزرة جديدة يمكن أن تقوم بها طائرات النظام وحلفائه الروس.
“أم عبد الله” من نساء مدينة داريا التي ما زالت تحت الحصار تقول: ” نقوم بزرع ما أمكننا من محصولات حتى نستطيع تأمين ما يلزمنا من الغذاء لأطفالنا قدر المستطاع، ولا يوجد في مدينتنا سوى مشفى ميداني واحد يعجز عن تأمين الحاجات الدوائية والإسعافية اللازمة نتيجة قلة الأدوية والمعدات الموجودة أو انتهاء مدتها ” وتضيف قائلة: ” نحن بأمس الحاجة للمساعدات الغذائية والدوائية لمقاومة الحصار المفروض علينا، ولا تكفينا الكميات القليلة من المساعدات الإنسانية التي تدخل للمدينة في فترات متفرقة وطويلة”.
” مدينة العنب والدم ” كما يحلو لأهالي داريا بتسمية مدينتهم، ما تزال صامدة رغم أربع سنوات من حصار محكم قطع سكانها عن العالم الخارجي وجعلهم يواجهون شتى أنواع القتل والموت وحدهم تحت أنظار المجتمع العربي والدولي الذي يقف ساكتا عن كل ما يحصل داخل المدينة المحاصرة وغيرها من المدن السورية .
المركز الصحفي السوري – محمد تاج