يعتبر البحر الأبيض المتوسط أحد أكبر البحار حول العالم، ويحد ساحله عدد كبير من الدول، من أوروبا مثل إسبانيا وفرنسا وموناكو وإيطاليا ومالطا والمملكة البريطانية وسلوفينيا والكروات والبوسنة والهرسك ومملكة الجبل الأسود وألبانيا واليونان، وتطل أيضا بعض الدول الأسيوية على ساحله مثل تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين وقبرص، ويُطلق على هذا الجانب من البحر الأبيض الذي تطل عليه الدول المذكورة مع مصر “منطقة شرق البحر الأبيض”، وتُشكل الأهمية العظمى للبحر الأبيض المتوسط، وعلى صعيد أفريقي تُعد مصر وليبيا والمغرب والجزائر وتونس من الدول المُطلة على البحر الأبيض المتوسط.
إلى جانب أن البحر المتوسط يشكل أهمية كبيرة في النقل البحري الدولي حيث يربط بين قارات العالم القديم من خلال مضائقه وقنواته، كما أنه أيضًا يشكل أهمية كبيرة في احتوائه على العديد من خيرات ومصادر الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي.
وتُعد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط التي تطل تتوسط الحدود البحرية بين تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين “غزة ـ إسرائيل” ومصر وقبرص، المنطقة الحيوية التي تحتوي على كميات هائلة من مخزون الغاز الطبيعي، إذ تحتوي حوالي على 381 تريليون مكعب من الغاز الطبيعي، وتُعد بذلك المنطقة الخامسة عالميًا من ناحية كمية المخزون، حسب ما يبينه مركز روابط للأبحاث الاستراتيجية.
وحسب ما يورده المركز الذي يتناول الموضوع في دراسة أكاديمية بعنوان “الطاقة في شرق البحر المتوسط ـ ملامح صراع يتشكل”، فإنه إلى جانب كميات الغاز الطبيعي الهائلة التي يحتويها حوض شرق البحر المتوسط، فإنه يحتوي أيضًا على كميات كبيرة من النفط تقدر بـ1.7 مليار برميل.
ويشير المركز إلى أن هذه الكميات تتوزع بشكل متباين بين الدول المُطلة على الساحل، حيث تشمل هذه الاحتياطات 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض المياه المصرية “المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة”، و122 تريليون قدم من الغاز في منطقة حوض المشرق قبالة شواطئ قبرص ولبنان وسوريا، و36 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق بالقرب من غزة و”إسرائيل”.
وما يجعل حوض شرق الأبيض المتوسط مكان صراع جسيم ومعقد بين عدد من الدول الإقليمية والسياسية، هو وجود كميات الغاز في المياه الاقتصادية الخالصة ما بين قبرص التركية وإسرائيل، وقبرص اليونانية وتركيا، وبالقرب من سواحل غزة.
وفي ظل هذه المعادلة التوزيعية، حاولت إسرائيل قبل عام 2014 الاتفاق مع قبرص اليونانية واليونان من أجل استخراج الغاز الطبيعي من المياه الاقتصادية الخالصة التي تمتد لمسافة 200 ميل بحري تحت المياه وتتضمن النشاط الاقتصادي الخاص للدولة التي تحدها من جهة اليابسة، ولكن أظهرت تركيا اعتراضها الشديد على ذلك وأوضحت أن من حقها الاشتراك في استخراج الغاز الطبيعي لأن قبرص التركية تطل أيضًا على المياه الاقتصادية الخالصة الخاصة بجزيرة قبرص ككل، وأظهرت تركيا اعتراضها من خلالها تحركها عسكريًا تجاه أعمال استخراج الغاز ومنعت ذلك عسكريًا، وأصدرت تركيا بعد ذلك قواعد الاشتباك الفوري بتاريخ 10 تشرين/ نوفمبر 2014، للرد العسكري المباشر على أي عملية استخراج للغاز لا تشمل تركيا أو قبرص التركية.
وبعد اتساع رقعة الخلاف السياسي بين تركيا ومصر، حاولت الأخيرة تحدي تركيا من خلال طرح فكرة إنشاء تكتل سياسي اقتصادي مع اليونان وقبرص اليونانية اللتان أبدتا بدورهما الاستعداد للتعاون مع مصر للتعبير عن رفضهما للتحرك السياسي التركي في المنطقة، وبعد اجتماع الأطراف الثلاثة في قمة ثلاثية عُقدت بالقاهرة بتاريخ 8 نوفمبر 2014، أعلنت في بيانها الختامي عن رفضها للموقف التركي تجاه القضية، كما نص بيان القمة الختامي على فتح باب التفاوض بين مصر وقبرص اليونانية من جهة وبين مصر واليونان من جهة أخرى للتوصل إلى حل مشترك للبدء في أعمال استخراج في المناطق الاقتصادية الخالصة المشتركة بين مصر وقبرص، لم يتأخر الرد التركي على هذا البيان، إذ فوضت الحكومة التركية بتاريخ 10 نوفمبر 2014، القوات البحرية التركية للرد العسكري المباشر على أي عملية استخراج للغاز لا تشمل التوافق مع تركيا أو قبرص التركية.
وفي سياق متصل، كشفت الخبيرة الاقتصادية “خديجة كاراهان، الكاتبة في صحيفة “يني شفق” والمتخصصة في مجال الاقتصاد أن “إسرائيل في حزيران/ يونيو 2014، أي بعد إعلان تركيا لقواعد الاشتباك الفوري، حاولت التفاوض مع تركيا من أجل السماح لها بنقل غازها الطبيعي الموجود ضمن “المياه الإقليمية” الخاصة من خلالها إلى أوروبا، والتوافق لاستخراج الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجزيرة قبرص من الناحية التركية واليونانية، وتوصل الطرفان إلى مستوى عالٍ من الاتفاق، ولكن الحرب الأخيرة على قطاع غزة أفسدت توافق الطرفين”.
وتضيف كاراهان أن “الطرفان “التركي والإسرائيلي” عادا لطاولة المفاوضات من جديد، وإلى الآن لم تتضح صورة اتفاقهما بخصوص مخزونات الغاز في المنطقة، بشكل جلي، ولكن من المتوقع جدًا أن يتوصل الطرفان إلى حل مشترك يُرضي جميع الأطراف، لا سيما في ظل حاجة جميع الأطراف إلى التوافق الجدي لكبح التمدد الروسي الذي قدم للمنطقة للحفاظ على قاعدة طرطوس وفي مخيلته أيضًا الاستفادة من سواحل سوريا لنقل الغاز الطبيعي لأوروبا الشرقية عبر اليونان، والاستفادة من استخراج الغاز الموجود في المياه الإقليمية السورية أو الاقتصادية الخالصة”.
المصدر: ترك برس