مفاهيم خاطئة لدى الكثير
مفاهيم مغلوطة قد تحيط بنا، وخط رفيع جداً يفصل بين المعتقد والعادات الموروثة، في مجتمع محافظ وبيئة وأعراف وأصول، و عندما ترتبط الثورة بترك شيء قد يعني للبعض هوية، يصبح السؤال ملحاً جداً من قبل شريحة كبيرة من السوريين اللاجئين بسبب حرب أتت على أرواحهم، فوجدوا أن الملاذ هو أسلوب للتفلت من قيود يراها البعض خيطاً يلف حول رقبته وأتته فرصة الخلاص، ومؤخراً و مع موجة اللجوء الكبيرة لأوروبا من قبل السوريين، حالات عديدة من فتيات ونساء سوريات خلعن الحجاب بعد سنين طويلة كانت كل منهن قد اعتادت عليه، واتجه الناس للتحليلات والتفسيرات والإيحاءات أن كلاً من هؤلاء حالة شاذة أو استثنائية من خلع قيم كبيرة وعادات متأصلة، وهناك البعض قال إن هذه حرية شخصية ولكن لا علاقة للثورة بقلب مفهوم يعتبر خطاً أحمراً في المعتقد و في المجتمع السوري، فهل الحجاب أمراً تربوياً أم هو من جوهر الدين الإسلامي أيضاً، هناك الكثير من علامات الاستفهام حول هذا الموضوع، آراء متضاربة عن خلع الحجاب والذي قد يعتبر شيئاً يمس شخصية الفتاة أو الإمرأة السورية، فلماذا شعرت بعضهن بأن الحرية هي بخلعه.
هل هناك علاقة بين اللجوء وهذه الظاهرة؟
تقول نورا وهي فتاة سورية في العشرينيات من بيئة محافظة نوعاً ما وقد خلعت حجابها مؤخراً “عندما قررت السفر إلى ألمانيا، حذرني الكثير من الناس ومنهم خطيبي أن الطريق خطرة وفيها الكثير من العنصريين، ومن الممكن أن تتعرض حياتي للخطر، فقررت خلع الحجاب، وبالنسبة لأهلي لم يمانعوا كثيراً، خوفاً على حياتي”.
وأكملت نورا حديثها عن ما تتعرض له البعض من الفتيات السوريات، “هناك الكثير من العنصريين هنا، يتحرشون بك ويزعجوك لمجرد أن يعرفوا أنك مسلم ولو حتى بدون حجاب.. وهذا ما جرى مع صديقتي”.
أما عن حياتها بعد الحجاب فقالت: “لم يتغير شيء ولكن أشعر بالراحة أكثر حتى لا أعرف أني مختلفة، وأكون محط أنظار للمجتمع الغربي وأن لا أعامل بطريقة لأني مختلفة، هكذا من الصعب أن يعرفني ألا من يتحدث معي أو يسمع لغتي، ولكني لم أبتعد عن ديني فأنا مازلت أتبع كل ما أمرني الله به من صلاة وصيام والتزام بعاداتنا أيضاً، ولكن للصراحة في قرارة نفسي أتمنى أن أعود لحجابي وأشعر أن الله غير راض عن فعلتي هذه”.
وبالنسبة لجودي “١٦عام”، فالموضوع مختلف فهي خلعت الحجاب لأنها لم تقتنع به يوماً وتحكي قصتها عن ارتدائه “وضعت الحجاب في الحادية عشرة رغماً عني ففي الحي الذي نسكنه، مجتمع فاسد وينظر للفتاة بنظرات تفترسها”.
وتوضح أمها قائلة: “ابنتي صغيرة وجميلة ولهذا وضعنا لها الحجاب خوفاً عليها، بالرغم من أننا رأيناها صغيرة حينها، وعندما سنحت لنا الفرصة بسفرنا إلى تركيا وجدنا المجتمع مختلف جداً، ومنفتح ومتطور، ورغم أنها تضعه منذ ست سنوات تقريباً وجدنا أنه من الأنسب أن تخلعه خاصة أن عمرها لم يتجاوز السادسة عشرة، أيضاً فالمجتمع هنا في تركيا ليس كالذي تعودنا عليه في حينها، ولا ينظرون للفتاة بشكل مستفز”.
وتوضح “الأم وجودي” أن الحجاب قناعة ولا يؤثر في تربية الفتاة ولا دينها خاصة أنها ما تزال ملتزمة بالتعاليم والصلاة والصيام، وأنه لا إكراه في الدين”.
ولدى أمل الشابة الدمشقية “٢٦عاماً” والتي لجأت مع أهلها إلى ألمانيا منذ تسعة شهور، وجهة نظر مغايرة تماماً، فالموضوع قلة إيمان ولا يقبل، وكل هذه حجج واهية تضعها بعض الفتيات للتملص من الدين والعادات السورية والموروثات الأصيلة أيضاً، تقول أمل “أنا محجبة ولم أخلع حجابي أبداً، وإن كان هناك خطراً ففي بلد واحد في الرحلة إلى أوروبا وليست ألمانيا بالتأكيد، لم أخلع حجابي وأرى أن الناس هنا يعاملوني باحترام لأني محجبة ومختلفة، وأشعر أنه يكمل شخصيتي وليست الثورة من تدعو لخلع الحجاب، بل آراء الفتيات اللواتي يردن التحرر الزائد، وأنا قابلت فتيات في بلاد اللجوء قبل وصولي وخلعوا الحجاب ولم يرتدوه بعد ذلك، وبالنسبة لي لقد أثار هذا الفعل إستيائي، فالحجاب زينة وليس قيد”.
أما بالنسبة للشباب السوري والذي أيضاً سافر إلى نفس الوجهة، والذي لم يغير معاييره، بوصوله لأوروبا من هذه الناحية، و بعض الأمور التي يعتبرها شيء يمس النظرة الإيجابية للفتاة السورية المسلمة وهذا رأي الكثير منهم، فالأمر يعتبر علامة على اللحاق بركب الموجة الغربية لدرجة اللامعقول، والبعض يعتبر أن الحجاب يعكس أخلاق الفتاة التي ارتدته وقررت خلعه، وقد تختلف الخلفيات الاجتماعية والبيئية حسب كل منطقة تربى فيها الشباب، ولكن وبشكل عام كانت النظرة واحدة تقريبا .
أحمد الشامي شاب سوري من دمشق وهو لاجئ في ألمانيا وبحسب وجهة نظره هو لا يحبذ فكرة ارتداء الحجاب ثم خلعه، ويرى أن الأمر صعباً لمجرد التفكير به ويقول: “أنا لا أحبذ فكرة خلع الحجاب، فهو بالنسبة لي شرطٌ في الفتاة التي سأرتبط بها، لو كانت غير محجبة من الأساس لكان أرحم فعندها أطلب منها أن تتحجب، هذا بالتأكيد خط أحمر بالنسبة لي، ولكني لا أراها بلا تربية فلا علاقة لهذا الأمر بموضوع الحجاب”.
أما أبو دياب شاب سوري في العشرينيات فالأمر مختلف لديه تماماً ويرى أن الحجاب مرتبط بتربية الفتاة، وقيمها الأخلاقية، حيث قال: “بنظري الفتاة التي تخلع حجابها، إنسانة منحلة أخلاقياً، وأرادت أن تذوب في المجتمع الغربي لدرجة بشعة، ولا تستحق أن أنظر لها، وهذا شيء لا أقبله أبداً، ولا أفكر في الارتباط في فتاة كهذه”.
وبالنسبة لزميله في السكن عمر فيقول معارضاً لزميله “الحجاب حرية شخصية، ولا ترتبط تربية الفتاة فيه وهو ليس معياراً في تحديد أخلاق الفتاة ولا التربية أو عدمها”.
أما خالد المصري وهو شاب من دمشق ويعيش في ألمانيا أيضاً فيرى أن فكرة خلع الحجاب هي تخلي عن الدين وليس التربية لأنه واجب شرعي ومن غير الوارد أبداً أن تخلع الفتاة حجابها، لأنه يعتبرها تركت جزء من دينها.
ويردف خالد قائلاً: “إن العيب ليس في الحجاب بل كل شيء أصبح مختلطاً وغير مفهوم للسوريين في الغالبية المسلمة، في دول أوروبا، فكل المفاهيم تركت لكي ينخلط الشباب في المجتمع الأوروبي الغربي والذي يختلف كثيراً عما تعودنا وتربينا عليه، ومن الغريب أن السوري يدخل للسوبر ماركت ويسأل إن كان اللحم لحم خنزير لأنه حرام، بينما يذهب للسهر في الحانات ويرقص ويشرب البيرة، وهذا أكبر بكثير من مجرد خلع الحجاب ويجب أن نعود لندرس قيمنا ونرجع لما عشنا عليه طوال عمرنا، كي لانضيع”.
عاصم ٢٨سنة وهو شاب سوري صحفي، و في سؤالنا له عن رأيه عن الحجاب وهل هو واجب ديني أم اجتماعي، رد بأنه “واجب شرعي، واعتبر أن الفتاة المسلمة إذا خلعت حجابها فإن إيمانها ضعيف ولم تتربى على القيم الإسلامية الحقيقية، وليس هناك أي ظرف يدعو لخلع الحجاب ولو كان قهرياً، وهذا بالنسبة له غير مقبول على الإطلاق مهما كانت الأسباب والظروف”.
هل الأمر شخصياً أم للدين رأي آخر؟
فالحكم الشرعي وإن لم ندخل بتفاصيل الدين والمرجعيات الواسعة، فنحن لا نستطيع فصل الحجاب عن موضوع الرأي الديني، ورغم اعتباره للبعض، حرية ومسألة شخصية فلابد للتطرق من هذا الجانب المهم، ولا ننسى أنه وعلى اختلاف كل وجهات النظر، فرأي الدين يعطي بعداً آخراً ومنحاً قد يغطيه الناس بغربال ويخافون الخوض فيه، لاعتقادهم أن الموروثات والعادات والمحيط الاجتماعي قد ينفصل عن الجانب الديني أو العكس.
العلامة “حسن الكتاني” فقيه وداعية مغربي، خطيب سابق بعدة مساجد وله مؤلفات وتسجيلات كثيرة في الدعوة الإسلامية.
ويجد بحسب رأيه مع بعض العلماء والفقهاء، أن السفر بشكل عام لدول غير إسلامية محل شبهة، وإلقاء في الفتن ومنها خلع الحجاب وقد استشهد بيان لرابطة علماء الشام من هذه الناحية ومن ناحية الحجاب فقد استشهد بآيات من القرآن الكريم.
والأحاديث النبوية الشىريفة.وقال أن الأمر محسوم فالحلال بيّن والحرام بين وأضاف: “هذا محرم شرعا تحت أي ظرف من الظروف”.
واستشهد بحديث السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم:
((عن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : لما نزلت هذه الآية ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) أخذن أُزُرَهن (نوع من الثياب) فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها . رواه البخاري ( 4481 ) ، وأبو داود ( 4102 ) .))
هل نتفق أو نختلف؟
قد لا يتفق الكثير مع هذه الحالات، وقد يرى البعض أنهن يردن ترك رمز من رموز الدين الإسلامي و من القيم التي نشأنا عليها جميعاً، ولكن وبالنهاية لا يجدر بنا الحكم على الشخص لمجرد أنه فعل شيئا مخالفاً لآرائنا وتوجهاتنا، قد شملت الثورة تغييرات كبيرة وجذرية، وأعطتنا آفاقاً واسعة ورؤية مختلفة، وقد يكون الاختلاط بالمجتمعات الأخرى روحاً جديدة قد تضيف تجدداً ولكن أن نأخذ الجيد ونحاول عدم الذوبان ومسح شخصياتنا من أجل إرضاء الغير، وبالنهاية الاختلاف مذكور في الدين الإسلامي، والثورة لم تخرج أبداً عن هذا المفهوم، فكل هوية لها معناها وكيانها، شريطة أن يصب هذا في النهاية لمصلحتنا العامة والخاصة ولا يتعارض جداً مع المعطيات الأصيلة بشكل عام .
المركز الصحفي السوري
اعداد: زهرة محمد