في إطار زيارته الرسمية إلى تركيا، وقّع رئيس هيئة الأركان العامة الإيراني، محمد حسين باقري، اتفاقا مع نظيره التركي الجنرال، خلوصي آكار، بشأن توسيع التعاون العسكري بين البلدين. فعلى الرغم من مواقفهما المختلفة بشأن بشار الأسد، إلا أنه تجمعهما نفس المصالح في العراق؛ فلا أنقرة ولا طهران مستعدتان للسماح بإجراء استفتاء بشأن استقلال كردستان العراق.
على مر القرون، شن الفرس والإمبراطورية العثمانية حروبا ضارية من أجل نيل الحق في التحكم في أراضي ذات نفوذ جيوسياسي شاسع تمتد من العراق إلى القوقاز. فقد كان كل من الشاه الإيراني والسلاطين الأتراك يريدون السيطرة على الطرق الإستراتيجية والمعابر التجارية التي تمر عبر بلاد ما بين النهرين والقوقاز. ولكن، مع مطلع القرن الحادي والعشرين، قررت كل من أنقرة وطهران عدم محاربة بعضهما والموافقة على التعاون السلمي في المجالات التي تتطابق فيها مصالحهما.
بتاريخ 15 آب/ أغسطس سنة 2017، وصل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري، إلى تركيا في إطار زيارة مدتها ثلاثة أيام. وكانت هذه الزيارة محل انتباه، إذ أنه في الربع الأخير من القرن العشرين، لم يُجرَ أي نوع من الزيارات الإيرانية إلى أنقرة حتى ضمن زيارة رسمية.
وفقا لوسائل الإعلام التركية، تم الاتفاق مسبقا على زيارة الجنرال الإيراني إلى أنقرة في مطلع آذار/ مارس سنة 2017، وذلك خلال اجتماع جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني، على هامش مؤتمر القمة الثالث عشر لمنظمة التعاون الاقتصادي، الذي عقد في إسلام آباد. وفي غضون ساعة، وخلف أبواب فندق سيرينا المقفلة، ناقش الرئيس التركي والإيراني إمكانية الجمع بين جهود البلدين في مختلف المجالات السياسية والعسكرية، ناهيك عن قطاع الطاقة.
في الحقيقة، أفضى ذلك الاجتماع إلى توقيع الجنرالين خلوصي آكار ومحمد حسين باقري، بتاريخ 17 آب/ أغسطس، لاتفاق بشأن توسيع نطاق التعاون العسكري. وفي حين لم يتم الكشف عن محتوى وثيقة الاتفاق، يمكن الافتراض بأنها تنطوي أساسا على تعاون وثيق بين البلدين في التصدي للأخطار المشتركة.
في المقام الأول، تعتبر كل من إيران وتركيا، إلى جانب روسيا من القوى الضامنة للهدنة في سوريا. وفي هذا الصدد، أقامت الدول الثلاث مناطق وقف التصعيد للحد من التوتر في المناطق السورية نتيجة الحرب الأهلية. وهكذا، فإن الجيشين التركي والإيراني قد وضعا خريطة طريق للعمل المشترك، وربما تمكنا من تحديد أهم معالم العمليات العسكرية التي ستنفذ في سوريا، خلال المفاوضات التي جرت في أنقرة.
في الواقع، تختلف أهداف تركيا وإيران في سوريا. وحيال هذا الشأن، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا وتكرارا عن ضرورة إزاحة نظام بشار الأسد عن السلطة. في المقابل، تتبع إيران نهجا مختلفا تماما إزاء النظام في دمشق، حيث تعتبر إيران الأسد الرئيس الشرعي لسوريا وتدعم جيشه بكل الطرق.
وفي الوقت نفسه، يدرك أردوغان أنه بإمكانه التفاوض مع إيران، خاصة على المسألة الشائكة المتعلقة بالمتمردين الأكراد في سوريا. وبما أن تركيا تعتقد أن دونالد ترامب بدأ في تزويد الأكراد السوريين بالأسلحة الثقيلة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد حليفا لتركيا في المنطقة خاصة، فيما يخص المسألة الكردية.
من جانب آخر، تشترك كل من أنقرة وطهران في نفس المواقف فيما يخص مسألة الأكراد، علما بأنه يوجد في هاذين البلدين مجموعات كبيرة من الأكراد. والجدير بالذكر أن الأكراد يرغبون، على المدى البعيد، في إنشاء كردستان العظمى على حساب جزء من الأراضي التابعة لإيران، وتركيا، وسوريا، والعراق، وهذا ما لن تقبل به تركيا وإيران تحت أي ظرف من الظروف.
لذلك، ستتخذ أنقرة وطهران التدابير المشتركة اللازمة للحيلولة دون إجراء الاستفتاء المرتقب حول استقلال كردستان العراق. وهو ما يعد من أبرز القضايا التي طرحت على طاولة المفاوضات، التي جمعت بين الجنرالين التركي والإيراني.
على هذا الأساس، يبدو أن مصالح أنقرة وطهران لا تتطابق فقط في المسائل العسكرية، إذ يهتم البلدان بالتعاون في إنتاج ونقل النفط والغاز. ومن أهم نتائج الاجتماع، الذي عُقد في إسلام آباد بين رئيس تركيا وإيران، الموافقة على مشاركة أنقرة في تطوير أغنى حقول النفط والغاز الموجودة في إيران.
يتجلى التعاون في قطاع الطاقة، في توقيع شركات تابعة لكل من روسيا، وتركيا، وإيران عقدا مشتركا لتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية، وقد أبرم هذا الاتفاق بتاريخ 15 آب/ أغسطس، في إطار عقد بلغت قيمته سبعة مليار دولار. من الجانب التركي، تم توقيع العقد من قبل شركة الوحدة الدولية، التي يملكها الرئيس السابق لنادي كرة القدم “غالاطة سراي”، أونال أيسال. أما من الجانب الروسي، فقد تم ذلك من طرف شركة “زاروبيج نفط”، أما من الجانب الإيراني فقد وُقّع العقد من قبل شركة “غدير” للاستثمار.
في الوقت الراهن، يجري تأسيس اتحاد مشترك من شأنه تطوير أربعة حقول نفط في إيران بمعدل إنتاج يومي يصل إلى 100 ألف برميل. ويهدف تشارك هذه القوى إلى الشروع في تطوير حقول النفط والغاز في مناطق أخرى من إيران. ويرى الخبراء أن تطوير وإنتاج الغاز الطبيعي مع إيران يمكن أن يضمن لتركيا وفرة الغاز الطبيعي لأكثر من 150 سنة، وهذا يشكك في مستقبل إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا، خاصة وأن إيران تعد منافسا لشركة “غازبروم” الروسية في السوق التركية.
علاوة على ذلك، تصر تركيا على أن تصبح المفترق الرئيسي لتدفقات النفط والغاز التي يتم تصديرها عن طريق بحر قزوين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى السوق الأوروبية. لهذا السبب، يأمل أردوغان في إقناع إيران بتمهيد طريق عبر أنبوب غاز يسمح لتركمانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، بتجاوز روسيا من خلال تصدير غازها الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا. وقد أصبحت هذه المسألة مرتبطة برفض روسيا بناء خط أنابيب في قاع بحر قزوين.
ومن هذا المنطلق، يبدو جليا أن اللعبة الجيوسياسية المعقدة التي يتبعها الرئيس التركي. في الحقيقة، تحتاج إيران إلى تركيا لعدة أسباب، أولا، في مواجهة تهديدات الانفصال الكردية، وثانيا من أجل تحويل تركيا تدريجيا من مستورد للغاز الطبيعي الروسي إلى مستورد للغاز الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، إن إيران قادرة على مساعدة تركيا لتصبح حلقة وصل لتدفقات الغاز الطبيعي القادمة من آسيا الوسطى والمتوجهة إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يبدو أن هذا المشروع يهدف إلى بعث إشارة لبروكسل مفادها أن أنقرة يمكن أن تصبح الضامن الرئيسي لأمن الطاقة في القارة العجوز. مما سيؤدي بدوره إلى تشجيع أوروبا على استئناف المفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ترك برس