فشلت رغبات من عوّلوا على التدخل الروسي في سورية في أنّه سيضع حدّاً لتوسع داعش والجماعات الجهادية، وسيجبر النظام على تقديم التنازلات لصالح الحل السياسي، ويُخرِج الرئيس من الحكم، ويتشكل نظام جديد. قبالة ذلك، تحققت نبوءة المتشائمين من التدخل الروسي، فهو يحرق الأرض التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، ويدمر البنى التحتية، ويشارك في حصار مضايا، ويحاصر ويدمر داريا والمعضمية والغوطة الشرقية، ويصمت عن كل انتهاكات النظام.
وبالتالي، يتبنى الروس السياسة نفسها التي يتبناها النظام في اجتثاث البيئة الحاضنة للثورة، وتدمير البنى التحتية للمناطق الخارجة عن النظام، ويراقب، كما التحالف الدولي والنظام وتركيا، تقدم الحالة الجهادية، وما الحرب التي تُشنّ ضد داعش سوى مناوشات هامشية لترتيب شؤون المنطقة بالكامل، وربما إعطاء إيران وإسرائيل دوراً مركزياً، ودخول الروس إلى المنطقة بشكل أكيد.
وافق الأميركان على التدخل الروسي، ويؤشر الدور السلبي لأميركا تجاه تفاعلات إسقاط تركيا طائرة حربية روسية دليلاً واضحاً على أن الأميركان يحبذون التدخل الروسي، وأنهم يريدون مع الروس إعادة إنتاج النظام، وتأهيله مجدداً، والانتهاء كلياً من فكرة الثورة، وتصوير الوضع السوري بأنه جماعات إرهابية، والتحالفات الدولية المشكلة هي من أجل ذلك.
يدفع هذا الوضع إلى القول إن هناك تنسيقاً بين التحالف الدولي وروسيا وإسرائيل في الأجواء السورية. داعش والنصرة لا تتأذى كثيراً، بينما بقية مناطق سورية تشهد كوارث حقيقية، ليس فقط منطقة سلمى في اللاذقية، بل وكذلك درعا وبلدت كثيرة في حماة وحمص.
المشكلة التي ما تنفك تتصاعد هي غياب أي دعم جدّي لقوى المعارضة، وتصاعد دور الجماعات الجهادية.
وباعتبار الجماعات الجهادية لا يمكن دعمها، ولا توجد أية حجة تسمح بإمدادها العلني، وهي موضوعة على قوائم مجلس الأمن الدولي للاجتثاث، فإن كل الدول مضطرة لكف يدها عن الدعم، وترك الروس وقوات النظام والمليشيات المتحالفة تتقدم.
وهنا، ظهرت قواتٌ كرديةٌ جهةً موثوقاً بها، لكنها قوة ليست في صراعٍ مع النظام، وتتحالف مع التحالف الدولي وروسيا، وتتفهم هذه القوة السياسات الدولية التي تتعامل “بلطف” شديد مع داعش وجبهة النصرة، ريثما تترتب شؤون الحكم في سورية والعراق، ويوضع حدٌّ للحرب في اليمن وربما ليبيا؛ وهذا يعني أن حرباً مفتوحة ستظل قائمة، وأن كل دعوات التفاوض بخصوص سورية لن يُكتب لها النجاح.
ناورت روسيا بقضية التمثيل الناقص لوفد المعارضة المنبثق عن مؤتمر الرياض، واعتبرته
“لن يكون مستقبل سورية بيد الروس والأميركان، ولا الجهاديات التي سيتصاعد دورها، إن فشلت المفاوضات” غير صالح للتمثيل، ما دام لم يشمل قوى سياسية سورية، تعتبر حليفة للنظام، وما دامت الفصائل الإسلامية “الإرهابية” ممثلة فيه وفق رأيها، وبالتالي، لا يمكن قبول وفد الرياض. وتتمسك روسيا بذلك، انطلاقاً من أن القرار الصادر عن مجلس الأمن يشير إلى مؤتمرات القاهرة وموسكو للمعارضة. وبالتالي، يجب أن تتمثل.
وروسيا تكذب في هذا وفي سواه، فبين الممثَّلين في الرياض من شارك في تلك المؤتمرات التي أقيمت في الدول الحليفة للنظام. وتكذب في عدم تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بفك الحصار عن المدنيين وإدخال المساعدات، أي في الملف الإنساني، والذي شكّل عدم تطبيقه سبباً لمجاعات ضربت مضايا والمعضمية، ومن قبل مخيم اليرموك ومناطق كثيرة في سورية، وحصدت مئات الأرواح جوعاً، عدا عن الإصابات الدائمة بسبب القصف المستمر!
قبل أيام، صرّح الروس بوضوح شديد أن مؤتمر جنيف المزمع عقده يجب أن تتمثل فيه المعارضة بوفدين، وليس بوفدٍ واحدٍ، وفد تابع لروسيا ووفد الرياض.
ومن شأن هذا الأمر أن ينسف أسس التفاوض، عدا عن أن التفاوض نفسه لا يمكن أن يتحقق من دون إجراءات ثقة، يفترض بالنظام القيام بها، وهذا ما ضُرِب به عرض الحائط، فلم يفك الحصار الجزئي عن مضايا إلا بعد مناشدات دولية، وفضيحة كاملة لحزب الله الذي يفرض الحصار على مضايا، حيث مات السوريون بسبب “المقاومة”! ولم يفرج عن معتقلين سياسيين، ولم يفصل موضوع المساعدات الإنسانية عن موضوع الحل السياسي.
إذاً، ليس لدى الروس خطة سياسية تتقصد فعلاً إنهاء الوضع السوري، وفقاً لبيان مجلس الأمن الدولي، وبتوافقٍ سياسيٍّ مع المعارضة؛ وخطة الروس، كما يبدو، تتحدد بإعادة تأهيل النظام عبر معارضة وفيّة لها وحليفة للنظام.
إذاً وفق هذا المنظور، وفي حال عُقدت جلسات التفاوض، لن يذهب وفد مؤتمر الرياض إليها، ومهما مورست من ضغوطٍ عليه، فلو ذهب سيكون شاهد زور على دماء سورية ودمارها، وبشكلٍ لا يحفظ له أي ماءٍ للوجه.
من سيذهب بهذه الحالة هو الوفد الروسي من السوريين ووفد النظام، وربما ستوافق أميركا على هذا الأمر. وربما لن توافق، فالقضية أكثر من معقدة؛ الإشكالية المتعاظمة هي الانحياز المعلن، ليس روسياً فقط، بل وأميركياً أوروبياً، لصالح التدخل الروسي والنظام معاً، فالحديث الدولي أصبح يتركز على محاربة الإرهاب، وليس على تغيير النظام. وما سيساهم في ذلك هو الصفقات الاقتصادية التي ستعقد مع إيران، بعد بدء تطبيق الاتفاق النووي، والإفراج عن أكثر من ثلاثين مليار دولار.
وهذا ما سيعطي مناخاً استثمارياً للدول الأوروبية، وكذلك ستقوى أدوات إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن.
أي سيكون هناك أسباب حقيقية لإدارة الظهر كلياً لوفد المعارضة، وللتحالف التركي السعودي القطري، وسيتهمش هذا الحلف أكثر فأكثر.
لن يكون مستقبل سورية بيد الروس والأميركان، ولا الجهاديات التي سيتصاعد دورها، إن فشلت المفاوضات. سيكون مستقبل السوريين فعلاً من صُنع أيديهم، وبالضد من النظام والمعارضة والجهاديات وكل التدخلات الإقليمية والعالمية بشؤونهم.
المسألة في غاية التعقيد. ولكن، ليس سواها السبيل لحل مشكلات سورية، وفكرتنا هذه تظلّ صحيحة، حتى لو فهم الروس أنه من غير الممكن القبول بشروطهم، وأن من يمثل المعارضة هو حصراً الوفد المنبثق عن مؤتمر الرياض.
العربي الجديد