تمتد خيوط معاناة أطفال سورية من القصف والقتل والنزوح والتشرد والجهل إلى معاناة جديدة تحاك لهم تودي بهم إلى حروبٍ مهلكة تستهلك طاقاتهم كلها ، في ظل الظروف التي نعيشها من حالة عدم الاستقرار و الفوضى ، انتشرت ظاهرة المخدرات وتعاطيها بشكلٍ كبير و خاصةً ” الحشيش ” بين الشباب بما فيهم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات لتقضي على ماتبقى منهم هناك ، و تجعلهم أحياء بأجسادهم أمواتٌ بعقولهم و مشاعرهم .
:من أين يستخرج الحشيش وما هو تاريخ انتشاره
يستخرج الحشيش من نبات القنب الهندي و هو نبات بري عشبي تستخدم أوراقه المزهرة في إحداث الحالة المزاجية المعروفة ” بالكيف ” و التي تؤدي إلى نوع من .النشوة الوهمية
لقد عُرفت منذ القدم عند رهبان الهند حيث كانوا يصنعون منها شربات سحرية يستعملونها في التأثير على الناس في الإحتفالات الدينية المنحرفة ، تؤدي إلى نوع خاص من الخدر .
مع الزمن انتقل استعمال هذا النبات إلى عامة الناس وانتشر منها إلى دول العالم.
إحصائية رسمية :
كشفت وزارة الداخلية السورية في إحصائية لها عام ٢٠١٤ عن ضبط ٥٢٨ كغ من الحشيش المخدر و ٤٠٦٦ كغ مواد أولية تستخدم في صناعة الحبوب المخدرة و طناً من بذور القنب الهندي و ٢٨٧٦١١٣ حبة كبتاغون مخدرة .
و في السياق نفسه نشرت وكالة الأناضول يوم الجمعة 20 تشرين الثاني 2015 ، أن أجهزة الأمن التركية نفذت أكبر عملية ضبط لحبوب الكبتاغون المنبهة في تاريخ تركيا ، وبحسب وزارة الداخلية هناك فقد صادر الأمن التركي خلال عمليات المداهمة 10 ملايين و 926 ألف حبة كبتاغون صُنعت في سوريا وكان من المقرر تهريبها من تركيا عبر البحر إلى دول الخليج ، مشيرةً أيضاً إلى اعتقال مواطن سوري و أخرين تركيين يشتبه بتنظيمهما لعملية التهريب هذه .
وقود الحرب :
ماهر ذو ١٦ عاماً لم يكن وحده من لجأ إلى الحشيش ليهرب من ضعفه و واقعه المؤلم وتشرد عائلته أو ربما خوفه من مجهول ينتظره أو حبه لإكتشاف شيءٍ بات في متناول الأيدي ، يجول بسيجارته في أنحاء مدينته دون مسألةٍ أو رقيب ، لا بل يشجع أصدقائه على تناولها مقرناً رجولتهم بسيجارةٍ تقضي على حياتهم ؛ هذا الطفل رغم صغر سنه تطّوع في حمل السلاح تحت راية الدفاع عن وطن ، علّه يحلم بصنع أمجاد تُدخله التاريخ ، حاله كحال أطفالٍ كثيرة في سورية أجبروهم على فُقدان طفولتهم وجعلوهم وقوداً للحرب .
في مدينةٍ أخرى هناك يحدثني مصطفى ١٥ عاماً عن طلاب في مدرسته يمارسون هذه العادة في حمامات المدرسة و خارج أسوارها ، ويقول لي : ” لما بتشوفيون مستحيل تقولي إنك بمدرسة أو إنهن طلاب جايين يتعلموا ، ياحرام عم يعملوا المستحيل ليجمعوا المصاري ويشتروها لأ و إذا واحد مارضي يدخن بصيروا يعيروه إنو بخاف من أهلو أو أخوه الكبير… المدرسة و قوانينا اتغيرت قبل كان يلي معو باكيت دخان أو بشموا ريحتو دخان ينطرد من المدرسة و ما يرجع ليجي معو ولي أمروا و يكتب تعهد بإنو ما يعيدا بس هلأ الوضع غير ، المدير والأساتذة عم يخافوا من الطلاب ليكونوا ولاد ناس مدعومة و يعملولون مشاكل و بلبلات باعتبار أنو المدارس هلأ فيها خليط من كل المحافظات “.
رنيم معلمة و أم هي أيضاً شاهدة على انتشار هذه الظاهرة بكثرة تقول أن الأطفال كبروا قبل أوانهم وأن الفوضى والدمار والقتل قد تتسبب في اضطرابات نفسية لأبنائنا وأرى أن المراهقين في الأماكن التي تتعرض للحروب يحتاجون إلى جهد ورعاية مضاعفة من المجتمع والأهل ، و تتسأل عن عدم وجود رقابة كافية وحملات توعية لهؤلاء الأطفال خصوصاً أنهم في سن يحتاج إلى الإرشاد و التوجيه؟ و تلحق سؤالها بسؤال آخر ” هل المطلوب منا هو الترحم على ما فقدناه و ما إلنا إليه ؟
“وأكيد ما راح نترحم على أيام زمان لأنو المسؤول الأول والأخير عن ضياع الشباب هو النظام يلي يا إما عم يموتون من الجوع والقصف يا إما عم يقضي على مستقبلون بالمخدرات “.
الاخصائية النفسية ميس ترى أن إنتشار هذه المادة :
” يسبب إدمان نفسي و ليس جسدي، يؤدي إلى تجسيم وتضخم المشاعر و هذا بدوره قد يؤدي إلى ارتكاب جريمة ( والتي نشهدها بكثرة حالياً) ، يعمل على تدمير الشخصية لأنه يخلق حالات انفعالية مضطربة تتصف بتقلب المزاج خلال دقائق من فرح إلى إكتئاب و قلق ، ولابد أن أركز على إنه من الآثار الواضحة للمتعاطي أنه لا يفكر في تخطيط طويل المدى بل يعيش من أجل يومه ” ، وأعتقد أنا هذا السبب قد يكون كافٍ لانتشار مثل هذه المواد وبهذه الكميات في المناطق المتعرضة للحروب.
ريم الحمصي- المركز الصحفي السوري