قد يحالفك الحظ بالنجاة من صواريخ الحقد التي يلقيها طيران النظام بشكل يومي وعشوائي ليكتب لك عمرا جديدا، لكن ماتخلفه تلك الصواريخ من دمار وآثار سلبية على الناجين كفيلة بإصابتهم بأمراض نفسية، تأثيرها أقوى من الإصابات الجسدية التي تلتئم بعد فترة.
دعاء “17” عاما من مدينة ادلب، نجت هي ووالدها ووالدتها من الموت بأعجوبة بعد أن قصف الطيران الحربي الروسي البناء الذي تسكنه وتسبب بدماره كليا، إلا أنها تقيم في الطابق الأرضي ما هيأ لهم فرصة للعيش من جديد، تقول دعاء وهي تحاول أن تتمالك نفسها دون أن تبكي:” كانت ليلة مشؤومة، كنا نستعد للنوم عند الساعة الحادية عشر ليلا، كنت في المطبخ ووالداي في غرفة الجلوس، لا أذكر تفاصيل الحادثة بدقة، لكن كل ما أذكره أن الغبار والحجارة تراكمت أمامي، وأصوات صراخ الأطفال ملأت المكان”.
تكمل دعاء حديثها والتوتر بدا واضحا عليها من حركة أصابعها:” وجدت باب المنزل أمامي خرجت منه وأنا أسمع صوت والدتي من الغرفة المجاورة لكن الحجارة منعتها من الخروج، كم شعرت بالخجل حينها عندما وجدت رجال الدفاع المدني بوجهي، أعطتني إحدى النساء غطاء وعباءة لألبسهما، لم أستوعب حينها لم حدث ذلك، وبعد خروج والداي اصطحبونا للمشفى للمعالجة من الإصابات التي لم نكن ندركها من هول المصيبة”.
لم يبق لدعاء وعائلتها بيت ولا مأوى، خرجت مجردة من كل شيء، حتى الهوية التي تثبت شخصيتهم فقدوها بين الركام، والمال الذي أمضى والدها سنين لادخاره لم يتمكن حتى من البحث عنه، مزق الصاروخ كل شيء، ومزق معه أحلامهم وذكرياتهم التي ترقد في مخيلتهم.
تقول دعاء بعد أن استحضرت ذكرياتها:” لا أريد ملابسي، ولا أشيائي الخاصة، كنت آمل أن أستطيع إخراج ألبوم صوري فيه جميع ذكرياتي وطفولتي، فيه حنان والدتي، ودفء منزلي، ماذنبنا نحن أن نفقد كل هذا لنكمل حياتنا متشردين وتائهين نبحث عن وطن ضاعت معالمه بحجة مكافحة الإرهاب؟”.
دعاء وعائلتها ليسوا الوحيدين الذين نجوا وتمنوا لو أنهم لم ينجوا، فهناك آلاف الأطفال والنساء والرجال يخرجون يوميا من تحت الركام وقد أصابهم الذهول والصدمة، فهم يحتاجون لسنين لينسوا ماحل بهم، وإن أخصينا بالذكر فالأطفال هم الشريحة الأكثر تضررا من ناجي القصف، ومشاهد الموت التي عاشوها ستبقى راسخة في مخيلتهم أينما ذهبوا ولن تمحوها السنين إن كتب لهم أن يكملوها.
ولعل الوثائق والأوراق الثبوتية من أهم الأشياء التي يتحسر عليها الناجون، تقول والدة دعاء:” رغم أننا جمعنا الأوراق الهامة والبطاقات الشخصية والشهادات الجامعية والمال في محفظة تحسبا للقصف، إلا أننا لم نتمكن من العثورعليها، فعندما تحل الكارثة تلغي مافي الحسبان وتنسف معها كل شيء”.
ونظرا للحملة العسكرية الجوية التي يشنها النظام على محافظة ادلب والتي تعجز الكلمات عن وصفها وسط صمت دولي وعربي، فهم عاجزون حتى عن الإدانة، وتركيا دولة الجوار التي أغلقت حدودها ومعابرها في وجه السوريين، لم يعد أمامهم سوى الانتظار ومواجهة الموت يوميا علها تحدث معجزة تنسيهم مامروا به.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد