يقدّر مراقبون نسبة فقدان سيطرة النظام في سورية الفعلية على مساحة البلاد بأكثر من 75 بالمئة، لصالح قوات المعارضة المتنوعة وتنظيم “الدولة الإسلامية” بعد التقدم العسكري الذي حققه الأخيران على عدد من الجبهات، خاصة خلال الشهرين الماضيين.
ورجح سمير التقي المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن النظام في دمشق “سيتداعى قريباً مع انتقال الصراع الفعلي إلى وسط وغربي البلاد في المرحلة القادمة”، متوقعاً تحوله إلى “ميليشيا مسلحة ذات تنظيم وتسليح عالي”.
وأوضح التقي، مدير مركز “الشرق” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية (مستقل)، ومقره دبي، أن دمشق حالياً “لم تعد عاصمة فعلية للدولة، والسيادة السورية باتت في مهب الريح، الاقتصاد تفكك، والشكل الوظيفي للدولة بات واهياً ويقتصر على دمشق فقط”.
وأضاف أن “عصر سورية الموحدة بات من الماضي والسلطة المركزية لم يعد لها مستقبل، وأصبح من المستحيل إعادة إنتاجها من جديد”، مشيراً إلى أن “البلاد ستحكم مستقبلاً بطريقة لا مركزية عن طريق توافقات ما بين أمراء الحرب والقوى المسيطرة التي أفرزها الصراع”.
ومع سيطرة “جيش الفتح” التابع للمعارضة مؤخراً على مدينة إدلب (شمال)، ومناطق واسعة في ريفها الجنوبي الملاصق لمحافظة اللاذقية (غرب)، اقتربت قوات المعارضة أكثر من أي وقت مضى من الساحل السوري الذي يضم محافظتي اللاذقية وطرطوس، ويعد معقل الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد ومعظم أركان حكمه، وشهدت هدوءاً نسبياً خلال أكثر من 4 أعوام على الحرب.
في الوقت الذي ابتلع “تنظيم الدولة” وحده نحو نصف مساحة البلاد، ووصل إلى مناطق قريبة من قلب دمشق وتبعد عن القصر الجمهوري أقل من 8 كم فقط، يشنّ طيران التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن منذ أشهر غارات بشكل شبه يومية على مواقع التنظيم في مختلف المناطق السورية دون أي تنسيق معلن مع دمشق.
واعتبر التقي أن “عوامل عديدة ساهمت في تداعي وإضعاف النظام خلال الفترة الأخيرة، أبرزها محدودية الدعم الإيراني على جميع النواحي العسكرية والبشرية والمادية، حيث بات ذلك الدعم منذ فترة يقتصر على المحاور التي تدعم نفوذ طهران في البلاد، كمحور دمشق وامتداده إلى الحدود اللبنانية حيث حزب الله، إضافة إلى محور حمص (وسط) وصولاً للساحل”.
وأضاف أن “نشوء توافقات من قبل الدول الداعمة للمعارضة بخصوص توحيد العمل الميداني ضد قوات النظام ودعم تحالفات عسكرية نشأت مؤخراً مثل (جيش الفتح) الذي بات يسيطر على معظم مساحة محافظة إدلب، ساهم أيضاً في إضعاف النظام على الأرض”.
ويتكون “جيش الفتح” المشكل حديثاً من فصائل سورية معارضة معظمها إسلامية، أبرزها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها، ونجح في الأشهر الماضية في السيطرة على مناطق واسعة في محافظة إدلب بعد طرد أو انسحاب قوات النظام منها، ويعوّل معارضون على هذا الفصيل قيادة معركة “الساحل” التي تستهدف معقل النظام الرئيسي ومؤيديه في البلاد.
من جهته، قال إبراهيم الجباوي الضابط برتبة عميد في جيش النظام قبل انشقاقه عنه عقب اندلاع الثورة في البلاد مارس/آذار 2011، إن نظام بشار الأسد “ساقط فعلياً منذ عام 2012، إلا أن الخلاف حالياً حول مصير رموزه وموعد رحيله”، متوقعاً أن يكون ذلك في “وقت قريب”.
وأوضح الجباوي الخبير العسكري والاستراتيجي، أن “النظام السوري سقط منذ بدأ بالاستعانة بمقاتلي حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، بعد فقدانه منتصف عام 2012 السيطرة على أكثر من 75 بالمئة من مساحة البلاد لصالح الجيش الحر وقتها، قبل أن يقوم تنظيم (الدولة) و(جبهة النصرة) وفصائل إسلامية أخرى بالسيطرة على معظم تلك المساحة”.
وأضاف أنه “مع تزايد أعداد مقاتلي حزب الله والحرس الثوري، الذي جنّد لاحقاً مقاتلين ومرتزقة من جنسيات آسيوية مختلفة، ودفعهم للقتال إلى جانب قوات النظام، ودخول الميليشيات العراقية الشيعية بعدها البلاد للغرض ذاته، أصبح كل هؤلاء يمسكون بزمام الأمور على الأرض، وبات النظام السوري ورئيسه بشار الأسد مجرد واجهة، وجيشه يقترب من شكل وأداء الميليشيا، كما أدخل البلاد في مرحلة احتلال”.
ويقدّر معارضون سوريون عدد الفصائل التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد بأكثر من 28 فصيلاً معظمها شيعية قادمة من العراق، فضلاً عن حزب الله الذي أكد أمينه العام حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة مضيّه في القتال إلى جانب النظام “مهما كلف الأمر”.
ولفت الخبير إلى أنه مع التقدم الذي حققته قوات المعارضة على الأرض شمال وجنوب سورية، بالتزامن مع سيطرة “تنظيم الدولة” على أكثر من 50 بالمئة من مساحة البلاد خاصة في شرقها ووسطها، “باتت سيطرة قوات النظام السوري والميليشيات التي يستعين بها تقتصر على الساحل (غرب) ووسط دمشق (جنوب) إضافة إلى جيوب متناثرة وغير متصلة متوزعة هنا وهناك”.
وأشار الجباوي إلى أنه من المنظور العسكري، “النظام غير قادر على استعادة المناطق التي خسرها، وبات يعتبر انسحاب قواته من مواقعها بأقل الخسائر انتصاراً تحتفل به وسائل إعلامه، وهذا ما تكرر مؤخراً في مدينة إدلب (شمال غرب) وجسر الشغور ومعسكر المسطومة في ريفها وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة”.
وحول أن النظام على الرغم من كل ما ذكر الخبير ما يزال قائماً وقواته تقاتل حتى اليوم على عدد من الجبهات، أجاب الخبير بأن “ما تقوم به قوات النظام حالياً هو هجمات انتقامية باستخدام سلاح الطيران لقصف المناطق المدنية، خاصة بالبراميل المتفجرة وذلك لعرقلة الثوار وجعلهم يفكرون بالضحايا من المدنيين الذين من الممكن أن يسقطوا في حال هاجموا مواقع عسكرية للنظام”.
ويرى مراقبون أن النظام في سورية يتعمد قصف المواقع المدنية القريبة من مناطق الاشتباكات مع قواته وذلك للضغط على الخصم وجعله يتراجع عن تكثيف الهجوم خوفاً من سقوط مدنيين وخسارته للحاضنة الشعبية التي يعتبرها عامل قوة بالنسبة له.
واعتبر الجباوي أن رحيل النظام لم يعد بيد الأخير أو حتى بيد المعارضة على الرغم من التقدم الذي تحققه قوات الأخيرة، لأن الأمر “بات بيد الدول الكبرى التي أصبحت تستخدم سورية كورقة مقايضة أساسية ضمن مجموعة الأوراق الأخرى في المنطقة”.
وتتحسب العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن من سقوط النظام المفاجئ وذلك بحجة الحرص على المحافظة على مؤسسات الدولة وأيضاً خشية من سقوط دمشق بيد “تنظيم الدولة” الذي بات على أبوابها، وهو ما يعتبره مراقبون سبباً رئيسياً لعدم تقديم تلك العواصم الدعم العسكري الكافي لفصائل المعارضة للإطاحة به.
المصدر: الأناضول + السورية نت