بيير لوي ريمون(القدس العربي)
متحف الـNewmuseum في نيويورك متحف تفاعلي يروج للحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية التعبير، عملا بمبادئ الدستور الأمريكي في مجال نصرة الحقوق والحريات الفردية والمدنية. على واجهة المتحف حاليا صورة لجمال خاشقجي. وبما أن الواقع لم يترك لنا سوى المجال لتخليد ذكرى الراحل، أغتنم المناسبة لإثارة ذكرى متواضعة، ولكنها قوية، أكيد أنها تراود مخيلات وتجيش في صدور الكثيرين.
إنها ذكرى جمال خاشقجي في إطلالاته التي لا تعد ولا تحصى، جمال الذي ما كانت تمر علينا أيام حتى نستفيد من كلماته على هذه القناة أو تلك فيحظى المشاهد بإطلالات أقرب ما تكون إلى الدرس الجيوسياسي، ليس لمجرد مواقف الرجل الذي عرف كيف يحدد بها ثوابت واضحة المعالم مستقرة البنيان، وسط بحر لجوج من متغيرات كثيرا ما تميل العلاقات الدولية إلى حيثما تميل الرياح، ولكن أيضا لدقته في اختيار مصطلحات بها تصل هذه المواقف جلية إلى المتلقي.
كان جمال خاشقجي نموذجا تربويا بامتياز، يعبر عن مواقفه بطريقة معكوسة عن كثيرين يأتون إلى البرامج النقاشية معتقدين أن بقدر ما تشدد نبرتك بقدر ما تقوي موقفك. لقد كان جمال خاشقجي يستخدم تؤدته الطبيعية وطيبوبته الفكرية، وفوق كل اعتبار إنسانيته للوصول إلى مبتغاه، وهذا كان تميزه.
يغيب جمال الآن وتنطفئ بغيابه أضواء المدينة، لتنيرها في المقابل واجهة متحف مرموق تغطيها جدارية عريضة فسيحة تعرض صورته للعالم. ويستطيع المرء هنا ملاحظة ومعاينة كيف يؤدي المتحف إحدى أنبل رسائل الفن التي تصاحب التوعية والتثقيف وهي التكريم. كان لجمال وله الآن وسيكون له في المستقبل المنظور والبعيد شقيقات وأشقاء، أنى وجدوا على وجه البسيطة، وقفوا ويقفون وسيبيتون واقفين إلى جانب أخلاقياته، أخلاقيات المهنة، التي تفرض حرية التعبير جسرا للوصول إلى باقي الحريات التي ليست مضمونة أبدا. جمال خاشقجي شعلة الأمل الذي لا يقهر: شعلة لا تنطفئ، ليس لمجرد أنها تقاوم الرياح، بل لأنها تذوبها أيضا، بل أولا.
نقلاً عن:القدس العربي