لم تنس خريطة الطريق التي اتفقت عليها بعض أطراف المعارضة السياسية السورية، أن تسمي بشار الأسد بالنظام، وتعترف به مفاوضاً شرعياً، وما هذا بجديد على معارضة لا تمثل الشعب، ولا يعترف بها إلا عائلاتها وبعض أصدقائها، ومع ذلك فهي لا ترعوي أن تتكلم باسمنا، ولا تبدأ تصريحاتها إلا بعبارة الشعب يريد، متجاهلة عبارة واحدة، وهي قول كثير من السوريين “هذه المعارضة لا تمثلني”.
إطلاق صفة النظام على بشار الأسد، كانت قد ظهرت أيضاً في جنيف، عندما أصرّ لؤي صافي، على ترديد هذه الكلمة، بينما كان يرد بشار الجعفري بعبارة الطرف الآخر، ولم ينتبه لؤي للموضوع أو لعله كان مجبراً عليه.
ومع كل ما تعرض له وفد المعارضة في جنيف من خسائر وإذلال، وكشفِ الجهل العميق بالسياسة من جهة، ومدى تمسك المجتمع الدولي ببشار من جهة أخرى، فهاهي تعود من جديد لترسم خارطة طريق مستعينة بالمجتمع الدولي نفسه، والذي ساهم في قتل أطفال سورية وتشريد أهلها، ومستعينة بأطراف أشد عداوة للسوريين، كروسيا مثلاً. الخارطة المشؤومة تريد أن يتم التفاوض “بين النظام والمعارضة برعاية دولية وعربية وإقليمية” ومعنى ذلك الموافقة على مشاركة مصر وإيران وروسيا، وبلغة أخرى تكرار ما حدث في جنيف بطريقة أكثر غلظة، إذ ادعت المعارضة وقتها أنها لن تفاوض قتلة الشعب السوري، مع العلم أنها كانت تتفاوض مع بشار الأسد بشكل مباشر.
أتت خارطة الطريق على ذكر عبارة “الصراع المسلح” في البلاد، وعبارة “وقف العنف” في سورية من جميع الأطراف، فهي تعتبر أن ما يقوم به الثوار لتحرير سورية عنفاً، وهي لا تطالب الأسد بوقف صواريخ سكود والغازات السامة بل تجعله مساوياً للذين ثاروا على استبداده. تريد الخارطة من الثوار، إذاً، أن يلقوا أسلحتهم، لعل كيلو ومناع والبحرة، يجلبون لهم النصر والحرية ويعيدون أنهار الدماء إلى عروق أصحابها.
طالبت خارطة الطريق أن يلزم مجلس الأمن الأسد بتبني نتائج المفاوضات عن طريق الفصل السادس، وليس الفصل السابع، ولهذا سابقة عجيبة يجب أن تسجل باسم هؤلاء القادة الأفذاذ!.
نقطتان في الخارطة، أعتقد أن بشار الأسد هو من وضعهما لا معارضتنا الوطنية: الأولى” أنه في حال لم يتم التوافق مع النظام على قضية ما، فتحال إلى لجنة تقريب وجهات النظر، فإذا فشلت هذه في مساعيها، تحال القضايا إلى لجنة تحكيم دولية حيادية متفق عليها”، والقصد من ذلك كما هو واضح، أن تستمر المفاوضات إلى ما لا نهاية، أولا بين الطرفين ثم بين لجنة تقريب وجهات النظر ثم بين الطرفين على تعريف الجهة المحايدة ثم بين لجنة تقريب وجهات النظر على المسألة نفسها، وهكذا، ومن شدة الصفاقة وقلة الأدب أن تقول الخارطة “وأنه في حالات خاصة واستثنائية يتم اللجوء إلى أخذ رأي الشعب”، فماذا يريد الشعب من معارضة تمثله إلى درجة أنها لا تأخذ رأيه إلا في حالات استثنائية.
النقطة الثانية أن الخارطة تقترح “أن يتم التفاوض أولاً على القضايا الأقل إشكالية مثل الانتخابات المحلية والتشريعية وقانون الإعلام والأحزاب” بمعنى أنه لا نقاش حول محاكمة الأسد، وأركان حكمه.
ترجو الوثيقة أن يقبل نظام الأسد بإطلاق جميع المعتقلين والمخطوفين على خلفية أحداث الثورة “وإصدار عفو شامل عن جميع المطلوبين” فوا عجباً هل يعفو الأسد عن الثوار أم العكس، ومن الذي اعتدى وقتل وشرد.وفي نقطة أخرى تفقد المعارضة كل حس بالخجل والحياء، إذ تطالب بأن “يقود المرحلة الانتقالية مؤتمر وطني من المعارضة والسلطة الحالية” وليكن مثلاً رفعت الأسد أو علي مملوك، وهكذا يكون شهداؤنا قد قضوا في سبيل رفعت أو مخلوف.
ولا أستبعد ذلك فعبارة “يجوز لأي سوري أياً كان دينه أن يستلم منصب رئاسة الجمهورية” لم تمرر عبثاً في الخارطة، بل ستكون مرجعاً عند تسليم الجمهورية لشخص علوي لا يستبعد أن تكون كنيته الأسد، أو الحسن، أو شاليش.
لا أحد يستطيع أن يفرض هذه الخارطة ولا كلمة واحدة فيها على الجيش الحر ولا أي فصيل آخر في سورية ، فالكلمة للميدان وليست لمعاذ ولا البحرة ولا عبد العظيم ولا أمثالهم.
المصدر : زمان الوصل