بينما تواصل أزمة الخليج مسيرتها، تُجري أنقرة اتصالاتٍ مكثفةً مع أطراف الأزمة، خاصة مع المملكة العربية السعودية، أملاً في إيصال الأزمة إلى مرفأ الحل السريع غير المكلف بالنسبة للدول التي تتأثر بها.
وفي خضم سعيها لذلك، طرحت الحكومة التركية، وفقاً لصحف تركية مقربة منها، خارطتي طُريق خاصتين بحل الأزمة:
1 ـ الخارطة الأولى تقوم على التشاور الدبلوماسي المكثف مع أطراف الأزمة، وتعتمد، بشكلٍ أساسي، على لقاءات المسؤولين الأتراك المتواصلة مع أطراف الأزمة على كافة المستويات. ويُلاحظ تطبيق أنقرة لهذه الخارطة عبر النظر إلى المشاورات المكثفة التي أجراها، ولا زال، الرئيس التركي، رجب طيب أردغان، مع عددٍ من رؤساء أطراف الأزمة ورؤساء دولٍ أخرى ذات صلة بتلك الأطراف، فضلاً عن زيارة وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، ووزير الاقتصاد، نهادي زيبكجي، إلى الدوحة، يوم الاثنين 12 حزيران/ يونيو الجاري، ومن ثم الكويت، فالمملكة العربية السعودية. وترمي تركيا من خلال هذه الخطة إلى ملامسة مطالب الأطراف، ليتسنى لها إعداد مسودة تصالح ملائمة لطموح كافة الأطراف.
2ـ خارطة طريق ترتكز على تعاون طهران وأنقرة وبغداد في إعداد مسودة التصالح التي تحتضن حلاً جذرياً للأزمة، وتكون مرنة قابلة للتعديل وفقاً لرغبات الأطراف، وقدراتهم على قطع الخطوات المطلوبة للتصالح، وطبقاً لطبيعة التنازلات التي يمكن أن يقدمها كل طرف في سبيل التوصل إلى “خارطة طريق آمنة” تتمتع بالاستراتيجية.
تعتبر الخارطة الأولى جيدة من حيث إظهار تركيا دورها في إطار الدولة الوسيط التي تلعب دوراً متوازناً بعيداً عن سياسة الاستقطاب التي أدت إلى تشكيل قطبين متنازعين إبان أزمة 2013.
أيضاً، تحمل الخطة الأولى ملامح تصنيف القيادة التركية أطراف الأزمة إلى ثلاثة أطراف:
ـ الطرف الأول: هو الطرف المُعد مسبقاً للأزمة، ويشمل الإمارات العربية المتحدة ومصر.
ـ الطرف الثاني: هو الطرف المنضم اضطراراً للأزمة، ويضم المملكة العربية السعودية والبحرين، نظراً للترابط الاقتصادي والسياسي الفكري الاستراتيجي الذي يربطها بالإمارات العربية المتحدة ومصر.
ـ الطرف الثالث: هو الطرف المُعتدى عليه، وهو قطر.
وبإرسال الملك السعودي سلمان دعوةً إلى وزير الخارجية التركي الذي كان متواجداً في الكويت، يتضح أن السعودية تُظهر بعض الليونة الواقعية حيال الأزمة التي لا تصب إلا في صالح أعداء دول الخليج، ويتضح أن الترابط السياسي والاقتصادي والأمني الذي تمت صياغته بينها وبين تركيا منذ مطلع 2015، قد آتى أكله. وفي حين تواصل التشاور السعودي التركي حول إمكانيات حل الأزمة، وأبدت السعودية الليونة اللازمة لذلك، قد تنجح تركيا في حل الأزمة، محدثةً شرخاً بين الإمارات والسعودية. وفي إطار سعيها لإحداث هذا الشرخ، قد تتجه تركيا لتوظيف القوة الناعمة، من إعلام واقتصاد ودعم دبلوماسي وحقوقي، وغيره، بغية تقريب السعودية من وجهة نظرها. ولا شك في أن إمكانية نجاح تركيا في تحقيق ذلك تتوقف على مدى تمتع السعودية بالإرادة السياسية المتحررة من التبعية للولايات المتحدة، فهل هي موجودة؟
أما الخطة الثانية، فيبدو أنها مليئة بالتناقضات، إذ يخطر على البال تساؤلٌ عن مدى إمكانية قبول الأطراف الخليجية بإيران كطرف لحل الأزمة، في حين أن التهمة الموجهة لقطر هي التقارب مع إيران؟
تعتبر خطوات الخارطة التي ترتكز على مناقشة رغبات الأطراف في عملية الحل، وقدراتهم على قطع الخطوات المطلوبة للتصالح، وطبيعة التنازلات التي يمكن أن يقدموها من أجل الحل، واقعية، ويمكن صياغتها. لكن ربما يكون التعاون مع باكستان المقربة من دول الخليج، والحليف الاستراتيجي للسعودية في آسيا الوسطى، أفضل من التعاون مع إيران، أو ربما يمكن الإبقاء على إيران، بالرغم من الكم الهائل من التناقضات التي يحملها وجودها، لكن بإضطلاعها بدورٍ “تسهيلي” وليس دور فاعل أو مباشر، كما يمكن الإبقاء عليها مع إضفاء الطابع المؤسساتي الدولي الإقليمي على الجهود المشتركة المبذولة لحل الأزمة، بمعنى تكون إيران دولة مبادرة لعملية الحل، لكن في إطار مؤسساتي دولي تتزعمه الأمم المتحدة أو هيئة دولية منبثقة عن الدول الساعية لعملية الحل. والهدف من الطابع المؤسساتي هو عدم إكساب إيران نفوذ دبلوماسي في حل الأزمة، وعدم تعريض دول الخليج المقاطعة لقطر للحرج، وتوفير آلية ضمان دولية لعملية الحل بمعزلٍ عن الوقوع تحت تأثير أو توجيه أي طرف إقليمي، سواء أكان إيران أم تركيا.
في العموم، ليست تركيا وحدها هي التي تحاول حل الأزمة، بل هناك أطراف عدة أخرى تسعى لذلك، ويبدو أن الذي يمكن لرؤيته أن تتناغم، ولو براغماتياً، مع رؤية الولايات المتحدة التي ترمي إلى إحراز صفقات سلاح موسعة، وترغب في تخفيف وجود بعض الجماعات والأسماء المحسوبة على أطرافٍ معاديةٍ لإسرائيل في قطر، والتي تملك خيوطاً اقتصادية ودبلوماسية وأمنية متشابكة بشكلٍ كبير مع السعودية على وجه الخصوص، هو الأوفر حظاً في قيادة سفينة الحل.
ترك برس