كانت تعيش حياةً مليئةً بالسّعادة والهناء مع أسرتها، بعد أن حقّقت حلمها ببناء بيتها الذي أرادتْ، ليكون مملكتها وثمرة عملها مع زوجها، بيتٌ بُني بالحبّ وفي كلّ زاويةٍ منه حكاية جميلة.
زانته بالأشجار والزّهور لتحتسي تحت ظلالها القهوة مع رفيق دربها بسعادةٍ أضفت عليها ضحكات أطفالها نكهة زادتها حلاوةً وسكينةً، لكنّ تلك السّعادة لم تدم طويلاً ولم تكتمل.
ففي أحد الأيام بينما كانت تحضّر طعام الغداء، كعادتها، وتنتظر عودة زوجها من العمل، لتستقبله بأبهى حلّة، شيءٌ ما وقع في قلبها فقد تأخّر زوجها عن موعده و حاولت الاتصال به لكن دون جدوى، واذ بهاتفها يرنّ وكان المتّصل أحد اصدقائه، ليخبرها أنَّ زوجها تعرّض لحادثٍ وفارق الحياة، كان وقع الخبر عليها كالصّاعقة فانهارت لحظتها ولم تحتمل.
ولأنّ إرادة الله فوق كلِّ شيء ولا أحد يستطيع الوقوف بوجه القدر، فقد استطاعت أن تستجمع قواها وتواجه مصابها بالرغم من صغر سنّها، لذلك كان لا بدَّ لها من العمل فهي المعيل الوحيد لأسرتها ويقع على عاتقها تربية الأطفال وتعليمهم وتأمين الحياة الكريمة لهم ، لتأخذ دور الأم والأب.
بدأت حياتها الجديدة والمختلفة بمهامّ مضاعفة، فها هي تذهب كلّ صباحٍ إلى عملها مصطحبةّ أطفالها إلى مدارسهم وبعد أن تنتهي تعود لتنجز ما تبقّى من أعباءٍ تثقل كاهلها، لكن لامجال ولا متّسع للضعف والانهيار.
هكذا أكملت ليلى حياتها منهمكةً في عملها وتربية أولادها ورعايتهم حتى باتوا شباباّ ناجحين يعتمدون على أنفسهم لترى بذلك حصاد سنواتها وجنى أيامها.
ومرّت الأيام مسرعةً وتزوّج الأبناء، وأنجبوا أطفالاً، فكانت فرحتها عارمةّ برؤية أحفادها، وتنفّست الصّعداء بأنّها أكملت رسالتها في تربية أبنائها فلم يعد من العمرمتّسع.
ولكن هيهات هيهات أن تكتمل سعادتها، فبين عشيّةٍ وضحاها انقلبت الموازين وتغيرت الأحداث، عندما دارت رحى الحرب في بلدها وانعدم الأمان وغاب الاستقرار وأصبح الخطر يُحْدق بهم مع كل قصف للطيران، وبات شبح الخوف يلاحقهم في كلّ لحظة، عندها قرّر أكبر أبنائها الهجرة إلى بلاد اللجوء، فودّعته والدّموع تنهمر من عينيها كشلّالٍ متدفّقٍ تراقبه وهو يركب البحر آملة من الله أن يعود، وتلتقي به عندما تنتهي الحرب.
وبعد فترةٍ من الزّمن لحق به أشقّاؤه، فتفرّق شمل الأسرة بعد أن غادرها الجميع بحثاً عن الأمن والسلام، لتبقى وحيدةً تعيش على أمل اللقاء بهم، وقد حالت المسافات الشاسعة والبحور الواسعة بينهم، وبات هاجسها الوحيد أن تنتهي الحرب التي فرّقتهم لتجمعهم الأقدار من جديد.
لم تكن ليلى الأم الوحيدة التي أبعدتها الحرب عن أبنائها فهذا حال أغلب النّساء السّوريّات ومعظم الأمّهات فطرتِ الحرب قلوبهنّ من غربة أبنائهنّ وتشتت أسرهنّ.
هي الحرب التي مزّقت الأوطان وشرّدت الأطفال وشتّتت شمل الأسر وحكمت عليهم باللجوء والتشرّد، تباّ لتلك الحروب التي فرّقت شملنا وأدمت قلوبنا فبات حلمنا الوحيد وطنا يحنو علينا.
قصة خبرية/سوسن دحمان
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع