وكان ترامب قد قال الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني 2017، إنه “سيقيم، قطعاً، مناطق آمنة في سوريا للاجئين الهاربين من العنف”. ومن المتوقع، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها رويترز، أن يأمر خلال الأيام المقبلة وزارتي الدفاع والخارجية بصياغة خطة لإقامة مناطق آمنة في سوريا ودول قريبة.
ولم تحدد الوثيقة ما الذي يجعل مناطق من هذا النوع “آمنة” وما إن كانت ستحمي اللاجئين من الأخطار على الأرض فقط -مثل خطر المقاتلين المتشددين- أو إن كان ترامب يتوقع إقامة منطقة حظر طيران تشرف الولايات المتحدة وحلفاؤها على مراقبتها.
تحذير من العواقب
وإذا فُرضت منطقة حظر طيران دون التفاوض على اتفاق من نوع ما مع روسيا، فسيتعين على ترامب أن يقرر إن كان سيمنح الجيش الأميركي سلطة إسقاط طائرات سورية أو روسية إذا شكلت خطراً على الناس في تلك المنطقة، وهو الأمر الذي رفض سلفه باراك أوباما القيام به.
وقال جيم فيليبس خبير شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة هيريتدج البحثية في واشنطن: “هذا في جوهره، يعني الاستعداد لخوض حرب من أجل اللاجئين”، مشيراً إلى دفاعات روسيا الجوية المتقدمة.
ووعد ترامب خلال حملته باستهداف المتشددين من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وسعى لتفادي الانزلاق بصورة أكبر في الصراع السوري، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن إن كان سيكتفي بتأكيدات -ربما من موسكو- بألا تستهدف طائرات روسية أو سورية المناطق الآمنة.
وفي موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن ترامب لم يتشاور مع روسيا وإنه ينبغي “تقييم” عواقب خطةٍ مثل هذه. وقال: “من المهم ألا تفاقم (هذه الخطة) وضع اللاجئين”.
فيليبس وخبراء آخرون، بينهم مسؤولون أميركيون سابقون، قالوا إن الكثير من اللاجئين لن يكتفوا بتأكيدات من موسكو، بينما قد لا يلقى أي اتفاق مع بشار الأسد -المدعوم أيضاً من إيران- ترحيباً من حلفاء واشنطن العرب.
ورفضت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التعقيب الخميس، قائلة إنه لم يصدر أي توجيه رسمي بعد لبلورة مثل هذه الخطط، وبدا أن بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين لم يعرفوا بأمر الوثيقة قبل نشرها في وسائل الإعلام يوم الأربعاء.
وقال الكابتن جيف ديفيز المتحدث باسم البنتاغون: “وزارتنا منوط بها الآن أمر واحد في سوريا؛ وهو كسر داعش وهزيمتها”.
آلاف الجنود لحماية المناطق
وتشكل دعوة ترامب لإقامة مناطق آمنة جزءاً من توجيهات أشمل، من المنتظر توقيعها خلال الأيام المقبلة، وتتضمن حظراً على دخول معظم اللاجئين للولايات المتحدة، وتعليق إصدار تأشيرات دخول لمواطنين من سوريا و6 دول أخرى في الشرق الأوسط وفريقيا ينظر لها باعتبارها مصدر خطر إرهابي محتمل.
وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية وبعدها، دعا ترامب لإقامة مناطق حظر طيران؛ لإيواء اللاجئين السوريين بدلاً من السماح لهم بدخول الولايات المتحدة. واتهم ترامب إدارة أوباما بالتقاعس عن التحري عن اللاجئين السوريين الذين يدخلون الولايات المتحدة؛ للتأكد من أنه لا صلة لهم بالمتشددين.
ومن شبه المؤكد أن تتطلب أي منطقة آمنة في سوريا -تضمنها الولايات المتحدة- درجة من درجات الحماية العسكرية الأميركية. ويقول مسؤولون أميركيون سابقون وخبراء، إن تأمين البر وحده سيتطلب آلاف الجنود.
مخاوف أمنية
وحذر أنتوني كوردسمان، الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي، من أن تصبح المناطق الآمنة داخل سوريا لعنة دبلوماسية تُجبر إدارة ترامب على التعامل مع مجموعة من التوترات العرقية والسياسية في سوريا إلى أجل غير مسمى.
وقال خبراء آخرون إن “من الممكن أن تجتذب المنطقة الآمنة متشددين؛ إما لتنفيذ هجمات -وهو ما قد يحرج الولايات المتحدة- وإما لاستخدام المنطقة مأوى يمكن للمتشددين إعادة تنظيم صفوفهم فيه”.
كما أن إقامة مثل هذه المناطق سيكون مكلفاً؛ نظراً لضرورة توفير أماكن إيواء وطعام وتعليم ورعاية طبية للاجئين.
وقال كوردسمان: “أعتقد أن هؤلاء الناس ليست لديهم أي فكرة عما يتطلبه توفير الدعم لـ25 ألف شخص، وهو رقم صغير في حقيقة الأمر فيما يتعلق (بالنازحين) واللاجئين” بسوريا.
ولم تقدم مسودة الوثيقة أي تفاصيل بشأن ما الذي سيجعل هذه المناطق آمنة، ولا مكان إقامتها ولا الجهة التي ستدافع عنها.
ويستضيف الأردن وتركيا ودول مجاورة أخرى ملايين اللاجئين السوريين. وضغطت الحكومة التركية على أوباما دون جدوى؛ لإقامة منطقة حظر طيران فوق الحدود السورية مع تركيا، لكنها على خلاف الآن مع واشنطن؛ بسبب دعمها مقاتلين أكراداً في سوريا.