شكلت حمص قلب الثورة السورية نقطة ارتكاز لمشاريع محلية وإقليمية بعد صعود آل الأسد إلى سدة الحكم، ومسارعة إيران لمد نفوذها لاستكمال منطقة الهلال الشيعي.
بداية حمص تقع في وسط سوريا، وتطل على محافظات حماة والرقة ودير الزور شمالًا، وعلى محافظة ريف دمشق جنوبًا، وعلى محافظة طرطوس غربًا، كما تشترك بالحدود مع كل من لبنان والعراق والأردن، وتنبع أهميتها الإستراتيجية من كونها عاصمة المنطقة الوسطى التي تربط بين العاصمة دمشق والساحل السوري.
بعد صعود عائلة الأسد إلى سدة الحكم في سوريا بانقلاب عسكري عام 1970م عمدت إلى تغيير البنية السكانية للبلاد على أساس طائفي؛ لتضمن مستقبلها في السلطة؛ فأنشأت القرى والمساكن والضواحي والأحياء ذات الأغلبية العلوية، وزرعتهم في المناصب السياسية والحيوية المؤثرة، ومنحتهم جميع الامتيازات من وظائف ومناصب ومراكز للقرار في جميع المجالات.
لم تكن حمص بعيدة عن هذه التغييرات الجديدة التي عصفت بالبلاد أو عن مشاريع عائلة الأسد، فعملوا على تعزيز المحور الرئيسي (دمشق- حمص- الساحل) ليربطوا موانئ طرطوس واللاذقية بالمحور (الروسي- الإيراني- العراقي) المرتبط بخط إمداد ميليشيا حزب الله في لبنان، ليكون مرتكزًا لتأسيس مشروع الهلال الشيعي. وأصبح من الضروري لكل من هو مرتبط بهذا المشروع أن يُبقي سيطرته على حمص؛ لأن خروجها عن سيطرة قوات الأسد يعني فشل هذا المشروع بأكمله.
ومن أجل تحقيق نظام الأسد مشروعه في حمص لجأ إلى تغييرات جذرية في المدينة تتيح للطائفة العلوية إحكام سيطرتها عليها وتغيير ملامحها السُّنية، وذلك بإنشاء أحياء علوية وشيعية تحيط بالمناطق السنية، وتعمل على تقطيع أوصالها كاكنتونات منعزلة.
وفي تقرير أعده النقيب “عبد الله الزعبي”، القيادي في حركة تحرير حمص، قال: “فكانت تُطَبق هذه الخطة تحت ذرائع متعددة منها قانون الاستصلاح الزراعي (الأرض لمن يعمل بها)، ومنها مشاريع التوسع السكاني على حساب الأملاك الخاصة، ومنها مصادرة أملاك أهل السُّنة تحت تهمة دعم البرجوازية تارةً، وتهمة دعم الإخوان المسلمين أو الانتماء لهم تارة أخرى، وبذلك استطاع هذا النظام الحصول على نسبة لا بأس بها من أراضي حمص التي اقتطعت من أصحابها السُّنة الأصليين”.
وأضاف “الزعبي”: كما “عَمل نظام الأسد على تجديد خطة استيطان المناطق السُّنية بإصدار قوانين الإدارة المحلية القاضية بهدم الأبنية المخالفة وإزالة أحياء بكاملها؛ لتغيير معالم حمص الأصلية واستبدالها بأحياء توطَّن فيها العلويين والشيعة، بل وعَمل على إنشاء مساكن وضواحٍ جديدة، حصل العلويون من خلالها على نسبة سكن 90%”.
وفي تصريحات صحفية سابقة بيّن عضو مجلس الشعب المنشق الأستاذ عماد غليون أن نظام الأسد أصدر قرارًا بإعادة تنظيم حي بابا عمرو في حمص، وهذا يعني إزالته والمساعدة على تغيير البنى الديمغرافية للمنطقة، بالإضافة إلى قيام النظام بإحراق السجل العقاري والسجل المدني بمدينة حمص، في دلالة واضحة على رغبة نظام الأسد في طمس الهوية السكانية للمدينة.
لقد حوّل نظام الأسد مدينة حمص إلى محافظة إيرانية لاستكمال بناء مشروعها “الهلال الشيعي”، وفتح الباب أمام البعثات الإيرانية لنشر التشيع في سوريا.
وعندما بدأت رياح التغيير تهب في الدول العربية مع ثورات الربيع العربي، وهبّت معها الثورة السورية، لتكون حمص عاصمتها، والتي بدأت ثورتها سلمية، وخرج المتظاهرون في شوارعها يطالبون بالحرية، تعامل معها النظام بوحشية؛ مما دفعهم إلى حمل السلاح، وبعد مدة من الزمن كثر عدد المقاتلين في مدينة حمص، وأصبحت المعارك على أشدها مع قوات الأسد وفي أغلب الأحياء، وازدادت معها شراسة النظام بالتعامل مع الناس، وحاول أن ينتقم منهم بأي وسيلة تخمد ثورتهم، حاصر الثوار داخل الأحياء القديمة، وخيّم الظلام على 13 حيًّا في حمص بعد أن جمع النظام الثوار والمقاتلين خوفًا من امتدادهم إلى أحياء أخرى.
استشعر النظام وحلفاؤه الخطر على مشاريعهم من الفشل، وبدأ النظام في تفعيل النزعة الطائفية في المدينة عن طريق الشحن الطائفي في الأحياء ذات الأغلبية الشيعية والعلوية، وزرع الفتن، وجعل أحياء العلويين والشيعة مناطق عسكرية تحاصر مناطق السُّنة وتفصل بينها، وأنشأ ميليشيات مسلحة وقواعد عسكرية لتقصف المناطق الثائرة، لتفاجأ المدينة الثائرة أن حصارها ليس من جيش الأسد وحسب، بل من الأحياء ذات الأغلبية العلوية والشيعية.
بَيْدَ أن الميليشيات الطائفية لم تصمد أمام ضربات الثوار في المدينة، وأصبحت لا تُطيق مزيدًا من الخسارات؛ مما دعا إيران إلى التدخل السريع كي تنقذ مشروعها الشيعي؛ فأرسلت الميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني لإعادة نظام الأسد إلى قدرته القتالية ورفع روحه المعنوية المنهارة، وهذا هو ما ظهر جليًّا في معركة القصير والتي كانت تعتبر لحزب الله معركة مصير.
وفي الجملة ستظل حمص رغم الحصار الشديد عقبة أمام تنفيذ مشاريع عائلة الأسد في بناء دولة طائفية أو استكمال إيران مشروعها الشيعي.
“الدرر الشامية”