وصف أجدادنا حمامات السوق ب”نعيم الدنيا ” فشكلت تلك الحمامات تاريخا وعبقا ومقصدا للسوريين وجزءا من حياتهم في الماضي، كانوا يرتادونه بكثرة خاصة في الأعياد والأعراس و المناسبات الأخرى، حيث كانت تقام حفلة للعريس وأقربائه وأصدقائه، وكذلك العروس مع أقارب عريسها وأهلها، و نظرا لما يتميز به من مزايا وطقوس احتفالية فقد كان الحمام بمثابة نواد ترفيهية و استجمامية للسوري وللسائح من أجل الاسترخاء والتخلص من متاعب الجسد والضغوطات النفسية وكذلك للشفاء من الأمراض، خاصة في أيام الشتاء.
أثرت الأزمة السورية وبشكل كبير على كل تلك العادات، فتقلصت ساعات العمل وارتفعت التكاليف بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع المياه والكهرباء عن معظم تلك الحمامات الأمر الذي أدى لإغلاق عدد كبير منها.
وتعاني معظم الحمامات من ارتفاع أجور التشغيل والزبائن، اذ بلغت أجرة الشخص أكثر من ألف ليرة بعد أن كانت ما يقارب 200 ليرة قبل الأزمة.
قال محمود حمامي لموقع الاقتصادي أحد مالكي “حمام نور الدين الشهيد” في دمشق وهو أقدم حمامات دمشق عمره حوالي 887 عاما، ” كان السياح يرتادون الحمام من لبنان والأردن والخليج، إضافة للمجموعات السياحية الأجنبية، وفي ظل الأزمة انخفض عدد الزبائن لأقل من الربع”.
أدخل الدمشقيون تطورا كبيرا لتلك الحمامات على مر العصور حسب متطلبات العصر فتفننوا بالجدران وزينوها بالزخارف وبالقيشاني اللامع ورصفوا أرضها بالرخام المضيء وعقدوا على أطراف قبابها عقود الحص النافرة المزينة بالرسوم والزخارف الجميلة، كما أدخلوا الساونا والتدليك إليها بالإضافة للخدمة الجيدة من قبل العاملين فيها من المكيسين والمدلكين وغيرهم من العمال.
ينقسم الحمام لثلاثة أقسام “البراني” ، الذي تعلوه قبة شاهقة رائعة يحيط بها إطار مزخرف و بركة ماء في المنتصف ومصاطب عالية ، حيث يجلس الزبون لتناول الطعام و الأراكيل ويتبادل الأحاديث، أما القسم الوسطاني يحتوي على الخلوات وتعلوه القبب والقمريات بأشكالها النجمية وزخارفها المتداخلة وأجران في الخلوات وحنفيات للماء البارد والساخن و أقنية لتصريف المياه، و أخيرا الجواني و فيه بيت النار ويعتبر القسم الأكثر حرارة في وسطه قبة مثمنة قمرياتها موزعة بأشكال هندسية ، يستقبل العامل الزبون في قسم الوسطاني ويقدم له الصابون والليفة والمناشف والميزر والحناء والبيلون للنساء.
تتفق النسوة أو الرجال على رحلة الاستحمام قبل يوم، و كانت النسوة تذهبن قبل الظهر والرجال بعد الظهر، حاملين معهم ما لذ وطاب من المأكولات كالكبب والمشاوي والمحاشي والتبولة وغيرها من الأطعمة السورية الشهيرة.
الجدة أم حسن من مدينة حلب تتحدث عن ذكرياتها في حمامي يلبغا والقلعة الشهيرين: ” نزلة الحمام كانت مو بس للغسل، كانت لتجتمع نسوان الحارة والأقارب ونتمتع بالمناظر الجميلة والدفء بالإضافة لروائح المسك والعنبر والصابون الغار الحلبي الذي ينعش القلب كان الحمام بيزيل الهموم”.
لطالما تغنى السوريون برحلة الحمام و” البقجة ” أي القماشة التي يحمل فيها الشخص ملابسه النظيفة التي تفوح منها رائحة الدريرة العطرة وذلك دلالة لأهمية الاغتسال عند السوريين، الذي أصبح في ظل الحرب الدامية حلما للكثير منهم حتى داخل المنازل، حيث يعاني أغلب السوريين من نقص المياه والكهرباء.
المركز الصحفي السوري ـ سلوى عبد الرحمن