يبرر مراقبون الصمت التركي عن الحملة الشرسة التي يشنها النظام والروس في مدينة حلب، بأن أنقرة تعي تماماً بأن مصير حلب أمر خاضع للتفاهمات الدولية التي لم تنضج بعد، وبأن هذا التصعيد لا يستهدفها هذه المرة، فهو ليس إلا محاولة بائسة من موسكو لزيادة الضغوط على واشنطن لتنفيذ الاتفاق الأميركي الروسي، الذي لم يتخل عنه الجانبان حتى الآن، ولا تعارضه تركيا، بشرط أن لا يؤدي لمنح النظام والمليشيات الموالية له فرصة للتقدم وضم المزيد من الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة.
كما أن قرار فتح معركة في مدينة حلب ليس قراراً تركياً فحسب، بل هو قرار أميركي أيضاً. وبينما تستمر تصريحات قيادات المعارضة حول قيامها بالتجهيز لعمل عسكري في مدينة حلب لفك الحصار عن مناطق سيطرة المعارضة، يبدو أن الخطة التركية تقوم على عدم الانجرار إلى المعارك التي يختارها النظام والمليشيات الموالية له. وعوضاً عن حلب، توجهت قوات المعارضة نحو ريف حماة، وتمكنت بعد انضمام أحرار الشام وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى المعارك إلى جانب كل من جند الأقصى وأبناء الشام وجند الشام وجيش النصر، من تحقيق تقدمات مهمة، ساهمت في تدمير خطوط الدفاع الأولى عن مدينة حماة، والسيطرة على مساحات واسعة. وتمكنت المعارضة من الاقتراب من خطوط إمداد النظام نحو مدينة حلب، التي إذا سيطرت عليها المعارضة، تكون ضربة قوية للنظام، بما يعنيه ذلك من عزل قواته في حلب عن باقي مناطق سيطرته.
أما على الصعيد السياسي، فقد استضافت مدينة إسطنبول، يومي الثلاثاء والأربعاء، اجتماعات مكثفة لأطياف المعارضة من ائتلاف وطني وهيئة تفاوض وممثلين عن فصائل عسكرية. وقد تم طرح مجموعة من الأفكار تهدف لتفادي تنفيذ الاتفاق الأميركي الروسي كتشكيل مجلس موحد عسكري وسياسي، ودعوة جبهة “فتح الشام” لحلّ نفسها وانضمام عناصرها إلى التشكيل الجديد المطروح لتفادي ضربها، بما قد يعنيه ذلك من احتمال حصول انهيارات في الجبهات مع النظام السوري.
في غضون ذلك، تستمر المشاورات الأميركية التركية لتوسيع عملية درع الفرات، والوصول إلى تفاهمات حول إدارة العملية بما في ذلك مصير مدينة منبج وتل أبيض ودور القوات العربية المنضوية في قوات سورية الديمقراطية التي تشكل قوات الاتحاد الديمقراطي عمودها الفقري.
وفي السياق وصل، يوم الثلاثاء، في زيارة رسمية إلى تركيا نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، برفقة مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ريت ماكغورك، فضلاً عن وكيل نائب وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية جونسون كوهين. وعقد المسؤولون الأميركيون اجتماعات مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو وعدد من المسؤولين الأتراك، بحضور السفير الأميركي في أنقرة جون باس.
واستبق جاووش أوغلو اجتماعه بنائب الوزير الأميركي بانتقادات شديدة وجهها للإدارة الأميركية، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد مع نظيره البريطاني بوريس جونسون، يوم الثلاثاء، على خلفية عدم انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي من مدينة منبج السورية. وشدد على رفض أنقرة لمشاركة هذه القوات في عملية تحرير الرقة.
وتترافق هذه التطورات مع عقد عدد من الفصائل العسكرية والعشائر العربية المعارضة للاتحاد الديمقراطي من كل من الرقة والحسكة اجتماعات في مدينة أورفا التركية، بهدف توحيد صفوف الفصائل العسكرية وأبناء المنطقة الشرقية والجزيرة في كيان واحد تحت راية الجيش السوري الحر تمهيداً لمشاركتها في عملية درع الفرات.
العربي الجديد – باسم دباغ