يثير التقدم الميداني النوعي الذي حققه الجيش السوري في مدينة حلب الاستراتيجية مخاوف المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لها وعلى رأسها تركيا.
وتقول مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن هذا التطور الميداني هو في حقيقة الأمر انقلاب على اتفاق دولي يقضي بإبقاء حلب على الوضع الذي عليه قبل تطور نبل والزهراء مقابل استعادة النظام السيطرة على كامل ريف اللاذقية.
وتدرك تركيا كما المعارضة أن سقوط حلب بالنظر لموقعها الجغراسياسي سيعني انهيار الفصائل المقاتلة هناك وبالتالي خروج المحافظة كليا عن سيطرتها ولن يبقى للمعارضة في الشمال السوري وجود سوى في محافظة إدلب.
وهذا الوضع سيعني أيضا فقدان تركيا لنفوذها في هذا الشطر، فضلا عما يعنيه ذلك من تزايد عبء اللاجئين عليها، وهي التي تعاني من وضع اقتصادي جد صعب.
ولعل الخطر الأكبر بالنسبة إلى تركيا في حال تصدعت جبهة المعارضة في حلب هو استغلال وحدات حماية الشعب الكردي هذا الوضع لتعزيز نفوذها أيضا بهذا الشطر.
وقد بدأ هذا الهاجس يتحقق فعلا حيث قامت الوحدات بالتزامن مع تحركات الجيش السوري بالتمدد انطلاقا من مدينة عفرين.
ويرجح محللون أن يكون هذا التحرك الكردي بتنسيق مع الجيش السوري.
ونجح الجيش في تضييق الخناق على مقاتلي المعارضة في مدنية حلب بعد قطع طريق إمدادهم الرئيسية.
وقال مصدر في الجيش السوري الخميس: إن الجيش سيفرض قريبا طوقا كاملا على المقاتلين في حلب، فيما يواصل عملياته قرب المدينة بعد أن قطع معظم خطوط الإمداد المهمة عن مقاتلي المعارضة من عند الحدود التركية.
وكان الجيش، مدعوما بمقاتلي حزب الله وبسلاح الجو الروسي، قد تمكن، الأربعاء، من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحصار.
وذكر المصدر “إذا أكمل الجيش عملياته من اتجاه الزربة غربا وشمالا وأكمل عملياته من اتجاه نبل والزهراء غربا وجنوبا سيتم قطع كل طرق الإمداد وهذا الموضوع قريبا”.
وتسببت التطورات العسكرية في حلب منذ الإثنين في نزوح أكثر من أربعين ألف شخص، وفي تعليق محادثات السلام التي كانت الأمم المتحدة تحاول إقلاعها في جنيف.
ويعتبر محللون أن تقدم الجيش باتجاه مدينة حلب هو الإنجاز الأبرز للنظام منذ بدء روسيا حملة جوية في سوريا في 30 سبتمبر.
ويقول الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية كريم بيطار: إن هذا التقدم هو “الاختراق الأبرز″ لقوات النظام، مضيفا “يبدو أنه يتم وضع اللمسات الأخيرة على مرحلة تقوية النظام التي بدأت مع التدخل الروسي”، مشيرا إلى أن المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة النظام “لم تعد تحت تهديد مباشر”.
وسيطر الجيش السوري بغطاء جوي روسي منذ الإثنين على بلدات عدة في ريف حلب الشمالي، ما مكنه من كسر الحصار عن بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين المحاصرتين منذ العام 2012 وقطع طريق إمداد رئيسية على الفصائل المقاتلة تربط بين مدينة حلب وريف المحافظة الشمالي باتجاه تركيا.
وتشهد مدينة حلب معارك منذ صيف 2012 بين الجيش الذي يسيطر على الأحياء الغربية والفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأحياء الشرقية منها والمهددة اليوم بأن تصبح تحت “حصار مطبق”.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن “تمكنت قوات النظام السوري خلال 72 ساعة من تحقيق ما عجزت عنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة”.
ويضيف “إذا لم تتلق الفصائل المقاتلة في مدينة حلب دعما عاجلا من دول الخليج وتركيا، فإن ذلك قد يشكل بداية نهايتها”.
وكان أكثر من خمسة آلاف مقاتل موالين لقوات النظام مدربين على أيدي حزب الله اللبناني يدافعون عن نبل والزهراء، وفق المرصد. ومن شأن انضمامهم للقتال إلى جانب قوات النظام أن “يسرع من انهيار البلدات التي لا تزال تحت سيطرة الفصائل المقاتلة شمال مدينة حلب على غرار بيانون وكفرحمرة وحيان”.
وتطالب الدول الغربية والإقليمية الداعمة للمعارضة وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا بضرورة وقف القتال في حلب.
ويستبعد محللون إقدام روسيا والنظام على هذه الخطوة لأنهما بذلك قد يخسران ما حققاه مؤخرا.
وقال المحلل والناشط السوري علي حفاوي لـ”العرب”: لا أتوقع أن تقبل روسيا وقف إطلاق النار في حلب حتى تحاصرها بشكل كامل، ولن يكون ذلك في القريب العاجل بل على مدى أشهر فحصار مدينة سلمى في جبال الساحل استغرق 83”.
ومدينة حلب هي أكبر تجمع سكاني في شمال سوريا وثقلها الاقتصادي يجعل من المسيطر عليها صاحب موقف القوي.
والمدينة هي طريق الإمداد بين الشمال والجنوب وهي معقل المعارضة الأقوى على الأرض بسقوطها يسحق الجسم الرئيسي للمعارضة ويتمكن النظام من إعادة وصل مناطقه لأنها نقطة محورية في قلب سوريا.
وتبنى الدبلوماسي السوري السابق خالد الأيوبي المنشق عن النظام الرأي القائل باستحالة وقف روسيا للقصف حيث ستعمد إلى المناورة.
واعتبر الأيوبي في تصريحات لـ”العرب” أن المرحلة القادمة بالنسبة إلى روسيا ستكون باتجاه إسقاط المعارضة عسكريا ولن يوقف الروس إلا دعم عسكري سريع ونوعي وغير مشروط للمعارضة”.
ويتوقع المحللون أن توفر تركيا والسعودية وقطر هذا الدعم قريبا، حيث بدأت الأطراف مشاورات مكثفة خلال اليومين الأخيرين حول سبل إنقاذ الوضع هناك.
صحيفة العرب