اندلعت الثورة السورية في درعا في العام 2011م, ورافقتها تحركات ومظاهرات في عدة مناطق أخرى من سورية التي التحقت بركب الثورة السورية باكراً, كحمص وحماة وريف دمشق ودير الزور وإدلب واللاذقية, في حين بقيت حلب بعيدة عن هذا الحراك لعدة أشهر من عمر الثورة, وباءت العديد من المحاولات التي قام بها أبناء حلب الذين أرادوا كسر حاجز الخوف لدى عموم الحلبيين المتعاطفين مع الثورة والمتطلعين إلى الخلاص من الظلم والاستبداد.
فإن حلّلنا واقع المدينة بنظرة موضوعية ومنصفة حينذاك, سنجد أن مدينة كبيرة بحجم حلب ووزنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في شمالي سوريا, إضافة إلى التعداد الكبير لسكانها والقبضة الأمنية الكبيرة التي يطبقها النظام على المدينة لوجدنا أن هذا الواقع المفروض عليها يشكل عائقا كبيرا أمام تحريك عجلة الثورة وتأجيج نارها داخل المدينة, فمن الصعب جدا تحريك مدينة وتوجيهها كمدينة بحجم حلب, وهذا ما يفسر تأخير التحاقها بمركب الثورة السورية المنطلق من درعا باكرا.
توقع العديد من نشطاء الثورة أن التحاق مدينة حلب بأخواتها من المدن السورية الأخرى الثائرة سيكون له وقع خاص على مجريات الأحداث في سورية, بل جزم الجميع بدور حلب المفصلي في تغيير مسار الأحداث الثورية في سورية.
لم تخيّب مدينة حلب ظن السوريين والتحقت بالثورة السورية وبقوة عن طريق المظاهرات السلمية وبعدها دخول الجيش الحر إلى داخل المدينة, سيما لواء التوحيد بقيادة “الشهيد عبد القادر الصالح- حجة مارع”, وفعلا كما توقع الجميع أرهقت أحداث الثورة في مدينة حلب قوات النظام, وأصبحت عبئا ثقيلا عليه؛ فقد أصبحت سببا رئيسا لاستنزاف قواته ومصادر طاقاته داخل المدينة وفي ريفها.
لذلك أصرّ الثوار على البقاء في مدينة حلب والحفاظ على المناطق التي تمكنوا من تحريرها من قوات النظام في وقت سابق, وأصر النظام على استخدام كل الأساليب العسكرية لإخضاع المدينة وإعادتها إلى سلطته من جديد, فقصفها وما زال, بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا, الأمر الذي أدى إلى تدمير العديد من أحيائها وبنيتها التحتية بشكل كبير, إلى جانب سقوط عشرات الآلاف من المدنيين من أبنائها ضحايا لشراسة الحملات العسكرية التي يوجهها النظام لضرب المدينة.
يدرك الطرفان أهمية المدينة, فمعركة حلب هي أشبه “بمعركة كسر العظم” أو كسر الإرادات بين كل الأطراف المتصارعة, لم تقف أهمية حلب عند هذا الحد, بل تعدته لتصبح القضية الدولية الأولى للدول الفاعلة والمتحكمة بملف الأزمة في سورية, فعليها تقوم المراهنات ولأجلها تبرم الصفقات السياسية التي تلبي المصالح العليا لهذه الدول ذات الأجندات وبالتالي المشاريع التي تصفها بمشاريع “أمن قومي”.
تدفع روسيا وإيران وبكل قوتهما النظام السوري لإعادة سيطرته على المدينة, في حين تتخلى الدول الداعمة لثورة الشعب السوري عن قوات المعارضة داخل المدينة, بل الأكثر من ذلك أن يشعر الجميع بأن كل الدول الإقليمية المساندة لثورة الشعب السوري بدأت تنسحب من واجباتها رويدا رويدا وخصوصا في مسألة دعم الثوار لاستعادة مدينة حلب.
لن نناقش أسباب التخلي عن مدينة حلب وتركها لقوات النظام وحلفائها من قبل تلك الدول التي تدّعي مناصرتها للثورة السورية؛ فلدينا العديد من الأسباب: منها واضح ومنها مبهم, لكننا نريد أن نذكِّر أنفسنا من جديد بأهمية مدينة حلب وأن حسم معركتها سيلعب دورا كبيرا في حسم المعركة ضد النظام في عموم سورية, لذلك نعيد ونذكِّر الفصائل العسكرية أن المناطق المحررة يتم قضمها من قوات النظام يوما بعد يوم, وفي حال استمرت تلك النجاحات التي تحققها هذه القوات فإن طموح فك الحصار عن مدينة حلب سيصبح ضربا من الخيال, وعلى الفصائل أن تدرك جيدا هذه اللعبة الدولية لتعود وتمتلك قرارها كما امتلكه الشهيد عبد القادر الصالح عندما دخل المدينة وتمكن من تحرير أكثر من نصفها في العام 2011م.
منذ البداية نلاحظ أن النظام السوري قاتل بشراسة للحفاظ على وجوده في مراكز المحافظات ومراكز المدن الكبيرة, ولم يعر اهتماما كبيرا لانفلات الأرياف من قبضته العسكرية, وهذا ما جرى في محافظة حلب, فلاحظنا كيف أن قوات النظام استطاعت أن تستغل وجودها في داخل المدينة لإعادة بسط سيطرتها على العديد من البلدات في ريف حلب الشمالي عندما أحس النظام أن الفرصة سانحة واللحظة مواتية, عكس استرتيجية الجيش الحر الذي ركّز منذ البداية على السيطرة على القرى و البلدات الصغيرة ظنا منه أنه سينجح في إحراج قوات النظام والتضييق عليها من خلال قطع خطوط الإمداد والدعم اللوجيستي لها, في حين أنه بقي بعيدا عن المراكز العسكرية الحيوية الاستراتيجية التي يسيطر عليها النظام كالمطارات و مراكز المدن الكبيرة.
واليوم تنجح قوات النظام وبدعم روسي وإيراني من السيطرة على منطقة الشقيف ومشفى الكندي ودوار الجندول بعد أن نجحت في إحكام سيطرتها على مخيم حندرات, إذن مأزق قوات المعارضة يزداد يوما بعد يوم وعليها أن تعيد حساباتها جيدا بعيدا عن الحسابات الأمريكية والتركية بل وحتى العربية التي لم تستطع يوما أن تقدم ما قدمه حلفاء النظام لحليفهم “الأسد”, فكانت كل حساباتهم هي حسابات مصالح فقط, ومنها ما كانت إلا مجرد خداع وكذب والأمثلة كثيرة, وإلاّ من الممكن أن نصبح أمام حقيقة لا مناص منها “استعادة حلب ضرب من الخيال”!
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود