على الرغم من تصعيد النظام من قصفه بالطيران الحربي والروسي وبراميله المتفجرة التي تلحق دماراً هائلاً وتحصد أرواح الأبرياء من المدنيين في مناطق المعارضة بحلب، وعلى الرغم من الحصار الخانق المفروض لتضييق الخناق ودفع الأهالي لترك منازلهم وتهجيرهم إلى أماكن أخرى من الشمال السوري خوفاً من شبح الجوع وشبح الموت في آن واحد.
نلاحظ تمسك أهالي حلب بأرضهم مع تمسكهم بالحياة لاستمرارها ومحبتهم لمن بقي من أهلهم المحاصرين، دفعهم لإيجاد سبل ووسائل بديلة تمكنهم في المساعدة والاعتماد على القدرات التي تتوفر لديهم رغم بساطتها لتكون بديلاً عن المواد الأساسية والضرورية والمواد الغذائية التي تساهم في التقليل من مآسي الحصار.
ولدى زيارتنا لأحياء حلب المحاصرة تمكناً من الحديث مع أم ياسر(35 عاماً) التي حولت باحة منزلها إلى حوض للزراعة وبابتسامة الرضا التي ظهرت بادية على محياها قالت “لن نيأس.. ولن ندع خفافيش اليأس والحزن تعشعش في بيوتنا التي كانت معروفة بلياليها السعيدة.. زرعت ما توفر لي من الخضراوات (كالبقدونس والبصل وحتى البندورة) لتساهم في تغطية نسبة من احتياجات عائلتي وحتى جيراني الذين لم يتوانوا عن مساعدتي، وخصوصاً بعد فقدي لزوجي في سجون النظام.. آه نصارع الحياة التي تزداد مرارة لنرفض الركوع لمن كانت سياسته (الجوع أو الركوع)”.
لم تكن أم ياسر الوحيدة فهناك العديد من الأهالي في حلب استثمروا حدائق بيوتهم عداك عن مجموعات المدنيين التي تعمل على دعم الأهل في حلب لتعزيز صمودهم بتأمين الغذاء عن طريق زراعة الأراضي المتوفرة، لكسر الأسعار في داخل حلب، وبالطبع تم التركيز على المحاصيل الرئيسة (السلق والفول والسبانخ.. ) والمحاصيل الثانوية (الرشاد والخس والفجل والهندباء)
وبهمة العديد من الرجال ممن كان أول همهم مد يد العون للآخرين تم إعداد المشاتل لتكون جاهزة للزراعة بعد تجهيز الأراضي وإعدادها من حفر وتأهيل تام لتتم استخدام تلك الشتلات وإتاحة الفرصة للآخرين للمساهمة في زراعة الأراضي الأخرى.
مع حملة “حلب تنتفض” أصبحنا نشاهد أسطحة المباني وقد فرشت بصناديق بيضاء مليئة بالتربة الحمراء ويعلوها خضار النبات الذي يبعث على التفاؤل باستمرار الحياة رغم صعوبة الأوضاع التي تحيط بالمنطقة وبعناية الأهل في حلب بتلك المحاصيل من سقاية وغيرها تثمر تلك المحاصيل بعون الله.
لم تكن الزراعة ما شغل الأهل بل أمور أخرى كاستخدام وسائل بسيطة من خلال تحليل المواد البلاستيكية لاستخراج الوقود وإشعال أفران الخبز حرصاً على عدم توقفها..
تدمدم “أم ياسر” بكلمات دخلت قلوبنا كنسمات وعطر وعبير قبل أن تسمعها آذاننا “سنأكل أوراق الشجر وسنصارع حياة الحصار حتى يأتينا الفرج المرتقب بعون الله.. وبهمة الشباب”، وتنساب من بين شفتيها ابتسامة رقيقة تملأ الآفاق أملا بالمستقبل الواعد.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد