يكشف رصد مستوى العنف الذي يمارسه النظام السوري في الساعات الماضية، في حلب خصوصاً، بكثافة نارية غير مسبوقة منذ فترة، معطوفاً على القصف الروسي متعدد المصادر، بحراً وجواً وبراً، على أرياف إدلب وحمص، عن أن معسكر دمشق ــ موسكو يئس من احتمال إخضاع الفصائل المسلحة المعارضة، فقرر الانتقام من الحاضنة الشعبية للمعارضة السورية. الأدلة عديدة على النية الانتقامية من المدنيين، خصوصاً الذين رفضوا عروض الاستسلام والتهجير، تحديداً من الأحياء الشرقية لمدينة حلب: أولاً استهداف المدنيين بشكل أساسي في حلب، وهو ما يظهر في حصيلة المائة قتيل في يومين، غالبيتهم الساحقة غير مسلحين وغير مقاتلين. ثانياً تقصّد ضرب كل ما من شأنه أن يسمح باستمرار الحياة، من مرافق حيوية ومخازن أدوية ومحطات مياه ومخابز ومشاف ميدانية وأبنية سكنية. ثالثاً الهستيريا التي يستخدم فيها النظام خصوصاً، والمليشيات اللبنانية والعراقية التي تقود قواته على محاور حلب، قوة نارية هائلة لتنفيذ خطة الأرض المحروقة، وكأن هذا المعسكر يقول للمدنيين إن الموت سيكون مصيرهم الحتمي طالما أنهم رفضوا عروض الاستسلام والتهجير وإخلاء الأرض للقوات الغازية من مختلف الجنسيات.
وقد وزّعت روسيا وقوات النظام السوري الأدوار بينهما، في إطار الحرب الدامية على مدينة حلب، وفيما تولى النظام دك الأحياء الشرقية المحاصرة من المدينة بالطائرات والمدفعية والصواريخ، ركزت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على ريف حلب ومحافظة إدلب، وسط تأكيد مصادر النظام بأن هذا القصف المكثف، هو مقدمة لاقتحام المدينة بذريعة “إنقاذ الأهالي” من سيطرة المسلحين الذين يرغمونهم على البقاء في المدينة. وهي رواية للاستهلاك الإعلامي، إذ رفض أهالي حلب الشرقية سابقاً الخروج من المدينة عبر مزاعم “الممرات الإنسانية”. في المقابل، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الخميس، أن “وزير الخارجية سيرغي لافروف سيلتقي نظيره الأميركي جون كيري في البيرو هذا الأسبوع لبحث ملفي سورية وأوكرانيا”، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، المقررة، يومي غد السبت وبعد غد الأحد.
ميدانياً، ارتفعت حصيلة الضحايا في حلب وريفها الغربي إلى أكثر من 100 قتيل في يومين، بعد تجدد القصف الجوي من الطيران الحربي التابع للنظام وحليفته الروسية. وذكر المتحدث باسم الدفاع المدني السوري في حلب، ابراهيم أبو الليث، لـ”العربي الجديد”، أن “حصيلة القصف الجوي على الأحياء الشرقية من مدينة حلب وبلدات في ريفها الغربي، بلغت 46 قتيلاً إضافة لأعداد كبيرة من الجرحى بينهم حالات خطرة”. وأضاف أن “الحصيلة ارتفعت بعد انتشال ضحايا من تحت الأنقاض وتجدد القصف على أحياء الشيخ الفارس، والمعادي، وبستان الباشا، والفردوس، والصاخو، والأنصاري، وقضى كثر بقصف على بلدتي أورم الكبرى وقبتان الجبل في ريف حلب الغربي”. وكان طيران النظام قد شنّ أكثر من 60 غارة بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية.
”
قوات النظام قصفت حي مساكن هنانو وحده بأكثر من 150 قذيفة
”
وأوضح “مركز حلب الإعلامي” أن “قوات النظام قصفت حي مساكن هنانو وحده بأكثر من 150 قذيفة، والذي تعرّض أيضاً لغارات من الطيران الحربي بالقنابل العنقودية، فيما سقط قتلى وجرحى جراء استهداف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة حي الهلك”.
كما أفاد ناشطون بأن “طائرات حربية روسية شنّت غارات بالصواريخ المظلية على حي الصالحين، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وجرح أكثر من 12 آخرين، بينما قُتل مدنيان وجرح 11 آخرون جراء غارة بالصواريخ لسلاح الجو الروسي على حي الشعار، في حين استهدف الطيران المروحي ببرميل متفجر محطة المياه الواقعة في باب النيرب شرق حلب”.
كما قُتل خمسة مدنيين وأصيب آخرون، جراء قصف من الطيران الروسي على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي بالصواريخ الفراغية. وطاولت الغارات الروسية منطقة آسيا في الريف الشمالي، فيما قصفت قوات النظام بصاروخي “أرض – أرض” مدينة عندان في ريف حلب الشمالي، التي تعرضت أيضاً لغارات جوية بالصواريخ. كما سقط جرحى جراء استهداف الطيران الحربي بالقنابل الارتجاجية، بلدة معارة الأرتيق في ريف حلب الشمالي.
بدوره، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “عشرة أشخاص على الأقل قُتلوا وأصيب عشرات آخرون، أمس، في انفجار سيارة ملغومة استهدفت مبنى تستخدمه جماعة معارضة في بلدة أعزاز، شمال سورية، قرب الحدود التركية”. وقال ياسر اليوسف من المكتب السياسي لجماعة كتائب نور الدين الزنكي المسلحة، التي تسيطر على المبنى، إن “عدد القتلى بلغ 25 شخصاً”. وذكر المرصد أن “السيارة الملغومة استهدفت مقراً أمنياً تابعاً للجماعة”.
من جانبها، أكدّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حسابها في موقع “تويتر”، أن “مئات المدنيين قتلوا وجرحوا، معظمهم أطفال، جراء القصف على حلب، في ظل نقص حاد بالمعدات الطبية والمواد الغذائية والمحروقات”. وأضافت أن “أكثر من ثمانية آلاف شخص، اضطروا إلى الفرار من حلب خلال الأسبوعين الماضيين، بينما نزح آخرون من الريف الغربي ليعيشوا في العراء ومراكز إيواء”، مشيرةً إلى “استهداف أربع مستشفيات خلال 24 ساعة”.
عدنان علي- العربي الجديد