ما إن حصلت حكومة هشام المشيشي، وهي من التكنوقراط، على ثقة البرلمان التونسي، حتى وجدت نفسها في مواجهة تحديات كبرى متنوعة.
وعلى الفريق الحكومي الجديد إيجاد حلول للخروج من هذه الأزمات بأخف الأضرار قبل فوات الأوان، لكن ثمة تشكيك من خبراء في قدرة حكومة تكنوقراط غير مسنودة جيدا من أحزاب ولا منظمات قوية على الإنجاز.
وبأغلبية مطلقة، صوّت 134 نائبا، في وقت مبكر الأربعاء، لصالح منح الثقة لتشكيلة لحكومة المشيشي المقترحة، بينما اعترض 67، حيث حضر جلسة البرلمان 101 نائب من أصل 217.
ولعل من أبرز التحديات أمام الحكومة الجديدة هي أزمة اقتصادية خانقة عمقتها جائحة “كورونا”، التي تضرب العالم منذ شهور.
وقال المشيشي، في جلسة منح الثقة، إن أولوية حكومته المطلقة ستكون إيقاف نزيف المالية العامة، وتجسيد الإصلاحات الكبرى على المدى المتوسط والبعيد.
ورأى أن فريقه الحكومي قادر على تحقيق “إنجاز وعمل لحلحلة الوضع الاقتصادي والاجتماع”.
لا مجال للتعطيل
اعتبر الأمين البوعزيزي، محلل سياسي، أن “تونس تحظى اليوم برئيس حكومة مسنود سياسيا من 134 نائبا صوتوا له.. وبالتالي سيكون قادرا على تمرير قوانين تجنب البلاد عدة أزمات”.
وتابع أن التونسيين اليوم، وبعد انقضاء زهاء 10 سنوات من الثورة، ينتطرون تطبيق القانون وإعادة الاعتبار للدولة والقضاء.. وأبرز أوليات ومهام الحكومة الجديدة هو تطبيق القانون وتحقيق المساواة أمامه”.
وأطاحت ثورة شعبية عام 2011 بالرئيس التونسي آنذاك، زين العابدين بن علي (1987- 2011).
وشدد على “ضرورة أن تكون الحكومة صريحة أمام الشعب، وتطلعه على كل الأوضاع.. ولعل كلمة المشيشي في جلسة منح الثقة حملت عزفا على وتر المواطنين عندما توجه بخطابه مباشرة لهم”.
واستدرك البوعزيزي قائلا: “يجب أن يكف من اختار عدم التصويت لحكومة المشيشي عن قطع الطريق أمام أشغال البرلمان، وتعطيل تمرير عدة قوانين تضمن استمرارية الدّولة”، في إشارة إلى الحزب الدستوري الحر.
ولاحظ أن “الخطابات المتوترة انتفت قليلا، وكأنه طُلب منهم الكف عن التعطيل وقطع الطريق داخل البرلمان”.
واعتبر أن “الأحزاب صارت واعية بخطورة ما يحاك لها، وبالتالي استطاعت الدّفاع عن السياسة، مهما كانت اختلافتهم وتوجهاتهم”.
تحديات مستمرة
رأى سامي براهم، باحث في معهد الدراسات والبحوث الاجتماعيّة والاقتصادية، أن التحديات المطروحة على الدولة هي نفسها منذ الثورة.
وقال براهم إن “المنظومة السياسية تتجه نحو الاستقرار، لكن المطالب التي تشترك فيها كل الأحزاب السياسيّة والمنظمات الوطنية لم تبارح مكانها”.
واعتبر أن “حكومة (المشيشي) غير سياسية، وأعضاؤها من الإداريين والتكنوقراط من الصعب أن تنجح في حلحلة أبرز الملفات الحارقة في تونس اقتصاديّا واجتماعيا”.
وتساءل: “كيف سيتفاوضون مع مختلف الفئات الاقتصادية والاجتماعية، في حين أنهم لا يمثلون لا أحزاب ولا منظمات ولا هم مقربون من نقابات مهنية”.
لكنه استدرك: “هناك نوع من التعاقد الضمني بين هذه الحكومة وبين الجبهة البرلمانية التي ساندتها، وكأن المشيشي تعهد بالقيام بتعديل أو موازنة بين حكومة تكنوقراط وحكومة سياسية عبر ضخ نفس سياسي، يتم بمقتضاه إدخال الأحزاب (في الحكومة)، ولو جزئيا”.
مطالب اجتماعية وأزمة اقتصاديّة
ذهب البوعزيزي إلى أن حكومة المشيشي “ستراعي في خياراتها القادمة الجانب الاجتماعي، وقد تكون بذلك حكومة شعبية تقترب من هموم الناس أكثر”.
وأردف: “تونس تزخر بثروات متواضعة والاحتجاجات الأخيرة أدت إلى توقف الإنتاج في قطاعات منها الفوسفات، وبالتالي فالقرب من المواطنين والمعطلين عن العمل وإحداث تسويات اجتماعية، سيمكن من إعادة عجلة التنمية، وبذلك يعود الإنتاج في عدة قطاعات إلى سالف نشاطه”.
واستطرد: “يجب أن تتفهم هذه الحكومة، المسنودة سياسيا، المطالب الاجتماعية، وأن تمد يدها لهؤلاء (الشباب المحتج داخل الجهات) لمواصلة التنمية”.
واقتصاديا، اعتبر براهم أن أبرز ما ينتظر الحكومة هو إعادة إنتاج النفط المتوقف في منطقة الكامور (جنوب) والفوسفات المتعثر أيضا في الحوض المنجمي بقفصة (جنوب).
وتابع: “من الصعب على وزير تقني ترؤس مفاوضات اجتماعية، كما أن الطرف المقابل من محتجين ومعطلين عن العمل من الصعب أن يتفاوض مع وزير عرضي قد يتنحى في أي لحظة ولا يمثل جهة سياسية وازنة أو قريب من منظمة الأعراف (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) أو المنظمة الشغيلة (الاتحاد العام التونسي للشغل)”.
ورأى أنه “في حال كان الوزير مقربا من تلك الجهات، فإنه حين يغادر، ستبقى (تلك الجهات) ضامنة لكل وعد يقدم للمعطلين عن العمل أو للمحتجين”.
واعتبر براهم أن “تشخيص الوضع الاقتصادي والحلول موجودة، لكن ما تحتاجه تونس هو إرادة صادقة لتنفيذ الحلول دون إيثار المصلحة الشخصية على الوطنية”.
وتساءل: “لكن إلى أي مدى ستتمكن حكومة التكنوقراط برجال إدارة من حلحلة عدة ملفات والقيام بالإصلاحات الضرورية ومحاربة الفساد في الإدارة؟”.
واعتبر أنه “لا بد من حكومة سياسية قادرة على معالجة الملفات الحارقة لنتمكن من راقبتها ومحاسبتها”.
جائحة “كورونا”
عن الوضع الصحي قال البوعزيزي إنه “بعد ما قامت به الحكومة السابقة من أداء جيد حصدت به نتائج هامة جنبت البلاد الخطير، فلا بد للحكومة الراهنة أن تواصل ذلك لنتجنب الأخطر”.
واستطرد: “على الحكومة أن تعيد أدوار الدولة في أزمة مواجهة كورونا.. لا يمكن غلق الحدود، ولكن تكون أكثر ردعا للمحافظة على مواطنيها”.
فيما رأى براهم أنه “وقع ارتباك في القرار الصحي بعد إقالة الوزير السابق، عبد اللطيف المكي، تسبب في تراكمات خلفت وضعا صعبا”.
واعتبر أن “تونس اليوم أمام خيار صعب بين الالتزام الصحي والاقتصادي، ولا بدّ من الموازنة بين هذين التحديين، وتلك الموازنة كانت ممكنة لو وقع المحافظة على نفس نسق الوزارة دون إرباك”.
ورأى أنه “من الصعب على وزير صحة تكنوقراط أن يتخذ قرارا يجنب التجاذبات (في مسألة كورونا) دون أن يتعرض لضغط من طرف صاحب المصلحة الاقتصادية”.
السياسة الخارجية
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، اعتبر البوعزيزي أنه يجب رد الاعتبار للسياسة الخارجية التونسية، وأن تدار وفق ما يراعي الأمن القومي لتونس.
وتطرق إلى الوضع في الجارة ليبيا بقوله: “يجب التعامل مع الطرف السياسي الليبي المعترف به دوليا ومن قبل الشعب الليبي، والذّي يمد يد السلام، بعيدا عن لغة الصراعات”، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني.
وبدعم من دول عربية وغربية، تنازع مليشيا الجنرال الانقلابي المتقاعد، خليفة حفتر، الحكومة الليبية على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.
واعتبر براهم أن “أداء رئاسة الجمهورية في المجال الدبلوماسي لا يطمئن.. التقاليد الدبلوماسية التونسية وقع التشويش عليها، وهناك حالة ارتباك وغموص وضبابية”.
وأردف: “هناك حالة ارتباك في تبيان حقيقة موقف الرئاسة من الوضع في ليبيا، إذ كان من المفترض أن تكون تونس أرض اتفاقيات ومبادرات.. إلا أنّ تونس غائبة تاما في الملف الليبي”.
وختم بأن “كل العالم له يد فيما يحدث في جارتنا الليبية، والكل يستشرف المستقبل، والجميع يبحث عن المصلحة في بلد فيه فرص إعمار وتنمية عديدة، إلا تونس غائبة”.
نقلا عن القدس العربي