أتسمت فترة تولي دونالد ترامب مقعد الرئاسة الأمريكية بالفوضى والأرتباك ضمن بيئة متنامية من التخبط والتضاد بين تصريحات مؤسسات الدولة والبيت الأبيض ، فبينما يقصف ترامب جدران الحلفاء والخصوم بالشتائم والتهديد والوعيد ، تسعى كلا من وزارة الخارجية من خلال “ريكس تيلرسون” من جهة والمبعوثة الأمريكية إلى الأمم المتحدة “نيكي هيلي” من جهة أخرى لمعالجة الثغرات التي يخلقها الرئيس المتهور وردمها بالتصريحات الدبلوماسية الناعمة لأيقاء العلاقات السياسية ضمن الحد الأدنى (المقبول) بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم .
والأمثلة على هذا الطرح كثيرة جدا ، ونذكر منها مصير الأسد المتأرجح بين منصات الحكم في الولايات المتحدة ، والعلاقة الحميمية بين البيت الأبيض والكرملين ورفض الكونغرس الأمريكي علاقة التزواج السرية بينهما ، وتهورات الفتى الكوري الشمالي “كيم جونغ” وكيفية الحد من مخاطرها في ظل أكتفاء البيت الأبيض بالمراقبة والتنظير .
وبيد أن ترامب ( رجل المال ) حقق أنتصارات ساحقة في مجال تحصيل مئات المليارات من الدول العربية ، ولكن تلك الأموال الهائلة لم تشفع له ( او هكذا يعتقد البعض ) !! حيث ترجح بعض الصحف الأمريكية على دنو أجل نزول رجل الأعمال المتعجرف عن صهوة البيت الأبيض .
فقد دعت مجلة فورين بوليسي الأميركية نائب الرئيس الأميركي مايك بينس للأستعداد من الآن لتولي زمام الأمور في البلاد، وذلك إذا جرت محاكمة الرئيس دونالد ترمب أو الطعن في أهليته للحكم، أو في حال تقدم هو نفسه بأستقالته، وقالت “يا نائب الرئيس كن مستعدا” !! بالطبع تبدو رؤية الصحيفة جنونية بعض الشيء وغير قابلة للتطبيق ، ولكنها تفصح عن تنامي مشاعر الغضب من قبل الصحافة الأمريكية تجاه الرئيس الجديد على عكس ماكانت تسير الأمور عليه في عهد الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما .
وبتوصيف سريع ، لايمكن معرفة أين ستهتز الأرض السياسية المرة القادمة في عهد المراهق العجوز ترامب !!
وبأعتقادي الشخصي فهناك وراء الأكمة ماوراءها والأحداث تسير كما تم التخطيط لها ، فمن يقف خلف الأبواب ويدير دفة سفينة الولايات المتحدة من جنرالات متقاعدين وأعضاء كونغرس أصحاب مكانة عالية ورجال أعمال يملكون سطوة دولية ، قد قاموا جميعهم بنسج تلك الأكاذيب و نفخ فقاعة الأشكاليات المفتعلة بين توجهات واشنطن القديمة والحديثة من أجل تحقيق مجمل أهداف وأستحقاقات لايمكن الوصول إليها إلا من خلال أشعال النيران في جنبات مسرح السياسة الأمريكي !!
وذلك على الرغم من الدلالات والمؤشرات الكثيرة و التي تؤيد أختلال توازن السياسية الأمريكية الداخلية .
ولازالة سوء الفهم ، أنصح بقراءة مايلي أكثر من مرة !!
فإلى فترة غير بعيدة وبالتحدبد في أواخر عهد أوباما ، كانت سياسة واشنطن تمهد الطريق للرئيس الجديد لكي يستطيع الضغط على الحلفاء والخصوم من أجل أعادة تموضع الولايات المتحدة على رأس الهرم السياسي العالمي وفق منظومة معقدة من السياسات والقرارات والتي تتيح لواشنطن قطف الثمار وطرح رؤية أمريكية على دول العالم بأريحية تامة !!
ولفهم هذه النقطة ينبغي العودة بشريط الذكريات السياسية قليلا إلى الوراء . وعلى سبيل المثال فأن قانون جاستا المتعلق بمعاقبة الدول الراعية للأرهاب وهنا الحديث عن السعودية ، فقد شهد هذا القانون دخول الرياض في متاهة الفزع المفرط وهم يراقبون أنحراف العربة الأمريكية نحو طهران توازيا مع توقيع الأتفاق النووي مع طهران والذي
قطع شعرة معاوية بين الرياض و واشنطن الحليف الأستراتيجي للسعودية . وكما أذكر ترجيح المحللون السياسيون في ذلك الوقت بضرورة أعلان حالة الطلاق التعسفي بين العاشقين المتفقين على أصغر التفاصيل وأعقدها . وهنا يقفز السؤال البديهي للواجهة ..
في حال عدم صعود قانون جاستا إلى السطح ورفض الكونغرس الأمريكي الفيتو الرئاسي الصادر عن البيت الأبيض ، هل كان بالأمكان حصول ترامب على مئات المليارات من الدولارات من السعودية مقابل أعادة أواصر المحبة بين الجانبين ؟؟
عزيزي القارىء ، في بعض الأحيان يجب التمعن بحذر في فحوى سياسات بعض الدول الكبرى من أجل أستيعاب خفايا الأمور ، ومن المنصة الأمريكية ينبغي التفكير بعقلية اللص أوالمستعمر لكشف بواطن التصريحات والتحركات !!
مما لاشك به ، ستغالب لغة الجهل لغة الواقع لدى بعض القراء عقب هذا الطرح وبالأخص مع أعتقادهم الراسخ بأن قوة الولايات المتحدة يمكنها من أطلاق أذرعتها الطويلة في خزائن الدول العربية الغنية كالسعودية ، ولكن ولعدم متابعة أولئك الغير المختصين بحيل السياسة فقد غفلوا بأن واشنطن لاتستطيع أرغام الدول على شراء الأسلحة في حال السلم مثلا .
وفي الحظيرة السعودية فقد أنتشرت عدة تقارير وتحقيقات بأن الأسلحة الأمريكية تفوق أحتياجات الجيش السعودي بعدة أشواط مع العلم بأن بعض الأسلحة بحالة ليست جيدة والبعض الأخر لم يصل على الأطلاق ، فكان لابد من أدخال السعودية في حرب يمنية وأعطاء الضوء الأخضر للرياض بمعاقبة قطر . ورغم جميع تلك المخاطر المحيطة بالسعودية ( المفتعلة من قبل واشنطن والتنفيذ من قبل ساسة الرياض ) لم تنطوي مئات المليارات التي جناها ترامب ضمن صفقات شراء السلاح فقط يل تضمنت النواحي الصحية والتكنولوجية والخدمية .
وضمن ذات السياق ( سياسات واشنطن المخادعة ) ، “يعض” المعارضون السوريون على أصابعهم ندما وحسرة جراء التعويل على السياسية الأمريكية ، والتي أثبتت في حلقات خداعها الأخيرة الميول نحو الأسد والسماح لبوتين بأعلان النصر السوفيتي عقب غزو سوريا .
فقد أفاد مسؤولون أمريكيون بأن الرئيس دونالد ترامب أمر بوقف البرنامج السري الذي تديره وكالة المخابرات المركزية لتدريب جماعات المعارضة السورية ، وكان هذا البرنامج قد أطلق في عام 2013 عندما قرر الرئيس السابق باراك أوباما الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لأجباره على التنحي عن الحكم ، وكانت روسيا التي تدعم نظام بشار الأسد، قد طلبت مرارا وقف البرنامج .
ولمن مازال يشكك بأحتمالية عزوف واشنطن على الأبقاء على الأسد ( في حال أستمرار رغبة موسكو بالأبقاء عليه !! ) ، فيؤسفني طرح شكوكه أرضا توازيا مع رؤية البعض داخل الولايات المتحدة حول وقف المساعدات لتدريب بعض فصائل المعارضة السورية بأنه يعتبر تنازلا كبيرا لروسيا .
وعلاوة على ذلك ، فقد أعلنت روسيا الخميس إقامة منطقة “خفض تصعيد” جديدة شمالي مدينة حمص ، فيما تجري منتصف الشهر الحالي محادثات لمناقشة جولة رابعة من خفض التصعيد ، وقال المتحدث بأسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف إن الوزارة والمعارضة السورية أتفقتا على أن يسري وقف إطلاق النار الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش اليوم الخميس، موضحا أن منطقة خفض التصعيد الثالثة تضم 84 تجمعا سكنيا ويقطنها أكثر من 147 ألف شخص .
ويتوجب علينا هنا ، ضم الأتفاق المبرم بين وزارة الدفاع الروسية و ( المعارضة ) السورية في سياق سقوط منطقة عرسال بيد حزب الله ، وتوجهات الأردن الجديدة المتعلقة بالضغط على فصائل المعارضة السورية المتواجدة في المناطق الجنوببة المحاذية لحدود الأردن .
كما رحب وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر، بقرار الولايات المتحدة وقف الدعم الذي كانت تقدمه المخابرات المركزية الأميركية لجماعات المعارضة، واعتبر حيدر الخطوة “بداية” نحو إنهاء الحرب المستعرة منذ أكثر من ستة أعوام ( لصالح الأسد ) !!
بالأضافة إلى أن تركيا التي كانت ضمن التحالف في القتال ضد الأسد سرعان ما بدلت أهدافها من الإطاحة بالنظام السوري إلى منع أكراد سوريا أو حزب الأتحاد الديمقراطي من السيطرة على مناطق في سوريا من عفرين في الشمال الشرقي إلى نهر دجلة الواقعة على الحدود مع سوريا .
ليتضح لنا وكما ذكرنا مرارا وتكرارا ووجهنا النصح لأعضاء المعارضة السورية منذ الأيام الأولى لولادة تلك الثورة المجيدة ، بأن التعويل على واشنطن ضد روسيا كمن يستبدل حبل المشنقة بحبل أخر !!
وبينما تفرد روسيا عضلاتها بشكل أستفزازي في الأحداث السورية ، يخيل للبعض
بأن حل #الأزمة_السورية يرتبط بمسارين، أحدهما جنيف الذي يراوح مكانه للجولة السابعة على التوالي، أما الآخر يتعلق بمناطق وقف التصعيد المنبثقة عن أجتماعات الأستانا !! في حين تم توقيع حل الأزمة السورية ضمن المباحثات التي تم عقدها بين ترامب و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في المانيا في السابع من شهر تموز / يوليو المنصرم .
وللحديث عن العقوبات الأخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة بحق روسيا ، فكلا الجانبين يظهر العداء للعلن وذلك من أجل تشكيل أنفعالات ترقي إلى مستوى تلك العقوبات ولكن الواقع عكس ذلك تماما !!
وحول تلك العقوبات القاسية تجاريا المربحة سياسيا ؟؟ فكلما أرتفعت وتيرة العقوبات الأمريكية علقت موسكو أوسمة الأنتصار الدموي في المدن السورية ، مما ينسف جدوى تلك العقوبات وأحتمالية تفاقم ضغطها عكسيا تجله سياسات روسيا الخارجية !!
ويعلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس، في تغريدة على تويتر، إن علاقات بلاده مع روسيا “عند مستوى خطير للغاية هو الأدنى على الإطلاق”، ملقيا باللوم على الكونغرس الأميركي في هذا الصدد .
كما يبادر الجانب الروسي بالعزف على الأوتار نفسها ليولد لحنا متناغما مع العدو الأفتراضي ،
حيث أعلن الكرملين الجمعة أنه يوافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرأي بأن العلاقات بين موسكو وواشنطن تراجعت إلى مستوى خطير بشكل غير مسبوق .
وبين العقوبات الأمريكية و ردات الفعل الروسية تجاه تلك العقوبات سنقف على كثير من التطابق بين توجهات كلا المعسكرين ضمن الملف السوري !! ومن أجل كشف المستور حيث قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن سيرغي لافروف أكد في أتصال هاتفي مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون ، أن موسكو “تبقى مستعدة لتطبيع العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وللتعاون حول القضايا المهمة دوليا” ، وذكر البيان أن لافروف وتيلرسون “اتفقا على البقاء على اتصال بخصوص عدد من القضايا الثنائية” .
عزيزي القارىء ، هناك فرق شاسع بين التصريحات والأفعال في عالم السياسة ، وإنما تلك الشائعات عن تفشي حالة الفوضى التي أنحدر إليها البيت الأبيض، لا سيما بعد هذا الصعود والسقوط والإقالة المخزية لمدير الأتصالات السابق “البذئ اللسان” أنتوني سكاراموتشي” ، والعقوبات الأخيرة بحق روسيا و تصاعد لهجة العداء إزاء تلك العقوبات ، فأنها مجرد ضوضاء مفتعلة من أجل التعتيم على الأتفاق الدولي المبرم بين واشنطن وموسكو .
والغريب بالأمر وبعد أنكشاف مجمل الحقائق حول توافق التوجهات الأمريكية مع دوران عجلة مصالحها ، هو أستمرار معظم القادة العرب وخلفهم جيش من المحللين والأعلاميين والكتاب العرب بالتبجيل والتعظيم لقداسة واشنطن ، وإنما المرحلة الحالية مجرد سقطة أخلاقية لبلاد العم سام ؟؟ وكأن سياسة باراك أوباما أعادة للدول العربية كرامتها المغتصبة وحقوقها المسلوبة !!
أستودعكم الله ، وأنتم عاجزون تحت رحمة أنياب أنظمتكم العربية العميلة تتوسلون القائد بأن يمن عليكم بالحياة ، أو في ظلمات المنافي تناشدون رغيف الخبز المطرج بالأهانة .
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي