بدت أسواق أحياء حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية، شبه خالية من زبائنها بعد عشرة أيام من تمكّن قوات النظام السوري من رصد طريق الكاستيلو الممر الوحيد الذي كان يصل هذه الأحياء بالعالم الخارجي. وغاب الازدحام والضجيج الذي كان يميز هذه الأسواق عن المشهد، وبقي قليل من الباعة يجلسون أمام محالهم التجارية التي فتحوها منتظرين زبوناً يقدر على شراء المواد الغذائية والاستهلاكية التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير في الأيام الأخيرة مع إحكام قوات النظام الحصار على حلب.
عزوف الناس عن التوجّه للأسواق خلال الأيام الماضية، لم يكن فقط نتيجة توقف تدفق الخضار إليها من مناطق زراعتها في ريف حلب إثر قطع طريق الكاستيلو، وإنما أيضاً نتيجة ارتفاع أسعار المواد التموينية التي ما تزال متوفرة في محلات التجار في حلب، ذلك أن مظاهر الاحتكار والرفع المتعمد للأسعار من قِبل تجار كبار في حلب، بدأت تظهر آثارها على السوق. فمع وجود احتمال بأن يطول أمد الحصار الذي تفرضه قوات النظام على المدينة، عمد التجار إلى رفع أسعار المواد المتوفرة في مستودعاتهم كي يمنعوا نفادها بوقت سريع وليحققوا مزيداً من الأرباح بالاستفادة من الاتجاه المتوقع للسكان نحو تخزين المواد الغذائية في بيوتهم.
وكان نشطاء محليون يقيمون في مناطق سيطرة المعارضة المحاصرة بمدينة حلب، قد طالبوا خلال الأيام الماضية مؤسسات المعارضة بالتدخّل لإيقاف ارتفاع الأسعار المستمر، من خلال وضع فصائل المعارضة يدها على المواد الغذائية والتموينية والمواد الاستهلاكية الرئيسية كالمحروقات ومواد التنظيف وغيرها، لتوحيد أسعارها، بحيث تكون مقبولة للسكان الباقين في حلب والذين يعانون من ضائقة مالية منذ سنوات مع انخفاض دخلهم الذي يأتي أصلاً بالليرة السورية التي خسرت الكثير من قيمتها أمام الدولار خلال خمس سنوات.
وبالفعل استجابت اللجنة التموينية في المجلس المحلي لمدينة حلب التابع للمعارضة، لمطالبات الناشطين، وعقدت يوم الثلاثاء الماضي اجتماعاً مع كبار التجار والصناعيين في حلب، جرت فيه نقاشات طويلة تمخض عنها اتخاذ قرار بحظر احتكار أي سلعة أو مادة غذائية من قِبل أي تاجر أو بائع جملة أو مفرق تحت طائرة اعتقال المحتكر وتحويله للقضاء في حال ضبطه بحالة إخفاء مواد أساسية غذائية أو استهلاكية.
كما أصدر المجلس المحلي لمدينة حلب قائمة بأسعار الجملة والمفرق لتسع وثلاثين مادة أساسية على رأسها المواد الغذائية الاستهلاكية كالطحين والسكر والرز والسمنة والزيت والبرغل وحليب الأطفال واللحوم والمواد الاستهلاكية الأساسية الأخرى كالمحروقات والغاز وغيرها.
يقول مسؤول العلاقات العامة في مجلس محافظة حلب الحرة عبد الغني شوبك، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن مناطق سيطرة المعارضة في حلب تحوي بحسب إحصاءات مجلس المحافظة 64 ألف عائلة، أي ما يوازي 320 ألف نسمة، باتوا الآن محاصرين بسبب رصد قوات النظام نارياً لطريق الكاستيلو واستهداف الطيران الحربي التابع للنظام السوري ولروسيا أي شيء يتحرك على الطريق، وبات هؤلاء جميعاً يعانون من نقص في المواد الأساسية.
ولم تقتصر معاناة هؤلاء بحسب شوبك، على النقص في المواد، ذلك أن استمرار القصف الجوي من طيران النظام وروسيا يعني سقوط المزيد من الجرحى يومياً، ومع انقطاع طريق الكاستيلو بات إسعاف هؤلاء الجرحى من مناطق سيطرة المعارضة في حلب نحو المستشفيات العاملة في ريفها أو في ريف إدلب أو حتى إلى الأراضي التركية أمراً مستحيلاً، إذ باتت المستشفيات العاملة في مناطق سيطرة المعارضة في حلب تعج بالمصابين والجرحى الذين يعاني بعضهم من إصابات بالغة لا تتوفر في المستشفيات الميدانية إمكانات لدى الكوادر الطبية للتعامل معها، وبالتالي يقف الأطباء والممرضون العاملون في حلب مكتوفي الأيدي أمام حالة هؤلاء الجرحى مع عدم وجود أي منفذ بري لإسعاف هؤلاء خارج حلب.
ومع هذا الوضع المتردي، سيطرت حالة من الاستياء والقلق على نفوس سكان حلب، إذ يشرح زكريا البركة، وهو أحد عمال الإغاثة في حلب، لـ”العربي الجديد”، الحالة النفسية لسكان المدينة بعد مرور عشرة أيام على رصد قوات النظام لطريق الكاستيلو، بتشبيهها بحالة الرغبة في عودة الساعة إلى الوراء. وبحسب البركة، لا يريد السكان ممرات آمنة لمغادرة المدينة التي صمدوا فيها على الرغم من استمرار القصف على أحيائهم بشكل شبه يومي منذ أكثر من أربع سنوات، كما أنهم لا يريدون تقدّم قوات النظام لتسيطر على المدينة بالكامل، ولا يريدون أيضاً استمرار حالة الحصار التي ستعني تدهور الوضع الإنساني العام والمعيشي الخاص بهم بشكل أكبر مع مرور الزمن، كل ما يريده سكان مناطق سيطرة المعارضة بحلب هو أن تتمكن قوات المعارضة من استعادة السيطرة على طريق الكاستيلو، ليعود إدخال المواد الاستهلاكية إلى حلب وتعود الحياة إلى الحد الأدنى من مسارها الطبيعي بشرط تراجع وتيرة القصف على أحيائهم.
العربي الجديد