قصصٌ لم يسمع عنها حتى في أشهر روايات التعذيب، عند الاعتقال تبدأ الحياة الثانية للسوري، ليعيش تفاصيلها الدقيقة، ضربٌ واعتقالٌ وسياسة تجويع وفي النهاية إما رؤية شمس الحياة، أو الخلود وراء القضبان.
لا يدري المعتقل متى يأتي النهار، ومتى تغيب الشمس، لا يعرف إلا أصوات خطوات السجانين واستغاثة رفاقهم تحت التعذيب، شتائمُ وكهرباء وقلة نوم تلك هي الحياة التي عاشها محمد ذو الـ 57 من عمره بعد اعتقاله من مدينة حماة.
اعتُقل محمد من قبل النظام أثناء توجهه من مدينة ادلب إلى حماة للحصول على راتبه الشهري، يقول “بعد مقتل المئات من عناصر النظام في ادلب، أصبح الانتقام في نفوس من نجا منهم، كبير أو صغير وحتى امرأة لا يهم، المهم أن تُملأ المعتقلات بالسوريين”
“في المعتقل كان نصف المعتقلين يقف والنصف يجلس لضيق المساحة، كان من بينهم العديد من محافظة ادلب، والتهمة “دعم الارهاب”، في كل يومٍ يأتي عشرات الأساتذة والموظفين، يهدف النظام برسالته تلك إلى أنه غير سعيد بوجودهم على أراضيه، ليُعذب ويُسرق راتبه وعند الخروج يكسِر هويته الشخصية كي لا يفكر في العودة إلى مناطق النظام”
“في الليل، تسمع أصوات معدة المعتقلين من قلة الطعام، يفتح السجان الباب ليرمي رغيف خبزٍ واحد في اليوم لكل معتقل، في مهاجع أخرى تسمع أصوات شجار بين المعتقلين من أجل رغيف خبز، سياسة تجويع لم نسمع عنها في غوانتانامو”.
لا أحد يستطيع النوم، فالبعض منشغلٌ بذكرياته مع عائلته وأطفاله يلعبون معه، والبعض منشغل بذكر الله علّه ينسى الوقت، يعتقد الأسد بأن اعتقال السوريين سيغرس الخوف في قلوبهم، لكن الأصح بأن المعتقل هو وسيلة لتعلم الصبر.
عند الخروج من السجن يكون الانسان بأتعس ظروف الحياة، يعتقد بأن الجميع يساند النظام ويتعامل معه، ليتفاجأ بوجود نساء وشبان ينتظرون عند مدخل السجن، يحملون الأمتعة والطعام والنقود، هدفهم مساعدة المفرج عنه وتقديم ما يلزمه، فعملهم تطوعي.
يقول محمد” بعد خروجي بدقائق وجدت العديد من النساء التي تحمل الأمتعة، تقدمت إليّ إحدى النساء وأعطتني ثياباً ومبلغاً من النقود حتى أستطيع الوصول فيه إلى مدينتي، عندها أيقنت بأن الحياة وإن كثُر الظلم فيها، إلا أن الأمل والاحسان موجود في نفوس السوريين”
وفي لقاء مع إحدى النساء المتطوعات هناك قالت “بأن السوريين منذ انطلاق الثورة أعلنوا بأن الدم السوري الواحد، وأن الطائفية التي يحاول النظام أن يزرعها بين السوريين لتشتيت صفوفهم وتمزيق توحدهم لا مكان لها عندنا، فعملي اليوم هو تطوعي يهدف إلى مساعدة من نجا من أقبية النظام، والعمل على تأمينهم بالمال والطعام، فمعظم المعتقلين يطلق سراحهم بدون ثياب عليهم”.
وأضافت “معظم النساء التي تقف هنا فقدت أولادها في سجون المعتقلات، أو لا تعلم عنهم شيئاً منذ سنوات، لكن يبقى هناك أمل بلقائهم”.
رغم مشاهد التعذيب حتى الموت، إلا أن السوري رأى بأن الأمل وحب السوري لأخيه السوري لم تقتلعه آليات النظام خلال السنوات الخمس الماضية.
سائر الإدلبي.
المركز الصحفي السوري