لا زال النظام العالمي أسير الصراعات على الأسواق والنهب، من دون التفكير بحساب الدماء البريئة التي تسيل، حيث يدفع نظام مافيوي، كنظام فلاديمير بوتين، من الولايات المتحدة، إلى مزيد من التورط عبر الاعتماد على غرور بوتين، وسياسته التي تعتمد الخداع والمراوغة ودعم الأنظمة المجرمة، كأنظمة بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وكوريا الشمالية، من دون أن يقدموا للشعوب المقهورة المظلومة سوى الوعود البراقة والكاذبة، وهم، في قرارة أنفسهم، مرتاحون لوجود هذه الأنظمة المنفذة لسياساتهم، والمساهمة بقهر إرادة الشعوب بالتحرّر وتقرير مصيرهم وثروتهم ومستقبلهم.
استفاد النظام البوتيني، في سورية، من غض النظر الأميركي، وزاد دعمه نظام بشار الأسد، وصولاً إلى تدخل عسكري مباشر، استباح دماء السوريين، ودمر بشكل ممنهج البنية التحتية التي تدعم صمود السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فقصف المشافي والمساجد والمدارس والأسواق والمباني السكنية، تزامناً مع قصفه قوات الجيش السوري الحر والقوى المعتدلة، وتركه لداعش تسرح وتمرح، فتكون مسمار جحا الدائم، المبرر لتدخله العسكري، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية.
في سورية، استفادت إيران من غض النظر العالمي على إرسالها مزيداً من السلاح لنظام بشار الأسد القاتل شعبه، والمزيد من المليشيات المتعددة الجنسيات، وكان ثالثة الأثافي إرسال النظام الإيراني علناً قطعات من الجيش الرسمي للقتال في سورية دعماً للنظام، والسكوت المريب من الولايات المتحدة على هذا الإعلان.
فرض الأوروبيون والأميركان عقوبات أثرت سلباً على الاقتصاد الروسي، وساهمت بانخفاض العملة الروسية، وحققت أضراراً بالاقتصاد الروسي، وغضوا النظر عن التدخل الروسي في سورية، أملاً في دفعهم إلى الغرق أكثر في الأوحال السورية، والتي يحاول الروس الهروب منها، عبر تحديد عملياتهم العسكرية، وعدم الدفع بقوات روسية كبيرة. ولن يؤثر مقتل عسكري روسي، هنا أو هناك، كثيراً على النظام البوتيني في روسيا، وارتفاع الأسعار وانخفاض العملة الروسية والأضرار اللاحقة في الاقتصاد الروسي اليوم، ليست بالقدر الذي يمكن أن يعيد سيناريو تفتيت الاتحاد السوفيتي، فلازالت لدى النظام البوتيني قدرة على المناورة والاحتمال، وعلى حساب الدماء السورية البريئة، يشجع الأميركان الروس والإيرانيين على التدخل بشكل أوسع بأسلوب غير مباشر، عبر غض النظر عن تصرفاتهم وإجرامهم في سورية، أملاً في إغراق نظامي بوتين والولي الفقيه في الأوحال السورية.
الأمر الآخر الذي يأمل الأميركان تحقيقه من خلال هذه الدماء هو تصاعد الغضب الذي يوصل إلى التطرف، وغض النظر عن سياسات إيران في المنطقة التي تشعل نار الفتنة والاقتتال المذهبي، بما يؤدي إلى انتشار صراعات غير أخلاقية، تريحهم من التدخل، وهذا ما وصف به أوباما في أكثر من مناسبة الثورة السورية، ليبرّر عدم رغبته في التدخل لحماية السوريين من القتل. ولا يقصد بالتدخل، هنا، التدخل الإيجابي، بإرسال قوات أميركية لتحرر بلدنا من عصابة بشار ومن العصابات الإرهابية التي استقدمها، لتسانده أو لتبرر وجوده، إنما أقصد التدخل السلبي، عبر السماح لمن يريد دعم الشعب السوري وقواه الثورية المعتدلة بإيصال دعمه، أو دعمه بالموقف السياسي الحقيقي، وليس بالتصريحات والخطوط الحمراء التي تخرق دائماً.
الاقتتال المذهبي والطائفي الذي لن ينتهي بانتصار أي من الطرفين هو أكثر ما يفيد تلك الأنظمة التي تصف نفسها حضارية وديمقراطية، وهي تتمنى أن نستمر في أوحالنا وتخلفنا، وتدفعنا دفعاً إلى أن نغرق في حروب أصولية طائفية وقومية، لا تبقي ولا تذر، خدمة لمطامعها، والخاسر الوحيد فيها هو نحن، والقادر الوحيد على تغيير الموازنة وقلبها باتجاه النصر هو نحن. للموضوع علاقة بجملة من السياسات المتبعة، بدءاً من الخطاب الإعلامي من الساسة، وصولاً إلى النشطاء على الأرض، وليس انتهاءً بضرورة ترافق النشاط المدني الثوري، جنباً إلى جنب، مع معارك الدفاع عن النفس التي يخوضها أبطال الجيش الحر، وتوسيع التعاون بين التنسيقيات في المناطق، وصولاً إلى خطابٍ موحد يستطيع استيعاب كل السوريين في الثورة السورية، وتحويل الكفة باتجاه نجاحها، قبل خراب مالطا.
العربي الجديد