بينما كانت القوات السورية تُضيِّق الخناق على آخر معاقل المعارضة في حلب، أعدَّ أحد قادة المعارضة نفسه للسيناريو الأسوأ: مواجهة مقاتلي حزب الله، التنظيم اللبناني المُسلَّح، الذين بدوا مُحافظين على تقدُّمهم بغض النظر عمَّا يعترض طريقهم.
وقال القائد، عمر سلخو، إنَّه في سبيل صدِّ الهجوم، زرعت قواته المنطقة الخاصة بهم بما سموه “خيط الألغام”، وهو حسَّاسٌ للغاية تجاه الضغط لدرجة أنَّ وزن طائرٍ من شأنه أن يُفجِّره.
لكن في ديسمبر/كانون الأول، أُرغِم المعارضون على الاستسلام في المدينة الواقعة شمال البلاد، وهي خسارتهم الأكبر خلال 5 سنواتٍ من الحرب ضد الرئيس بشار الأسد، وتُعَد كذلك أحد أوضح الأمثلة على مدى القوة التي أصبحت عليها قوى إقليمية مثل حزب الله، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
ويقول سلخو إنَّ “حزب الله يُعَد الأقوى بين مقاتلي النظام في سوريا. فلم نأسر أي عضوٍ من حزب الله قط خلال المراحل الأخيرة من تلك المعركة. أو حتى لو فعلنا ذلك، فلم يكشفوا عن أنفسهم لأنَّهم يُدرِكون أنَّهم ذوو قيمة”.
وعندما تدفَّق مقاتلو الحزب الشيعي لأول مرةٍ إلى سوريا لقتال المعارضة ذات الغالبية السُنِّية، توقَّع الكثير من المراقبين إنهاك حزب الله وتشويه سمعته باعتباره القوة الأبرز المعادية لإسرائيل نتيجة استدراجه إلى صراعٍ طائفي.
لكن بدلاً من ذلك، يبدو حزب الله، الحليف المُقرَّب من إيران، عازماً على الخروج أكثر قوة من ذي قبل، باعتباره أحد أكبر الرابحين في الحرب السورية.
تحول لقوة غازية
يقول أحد المستشارين الأمنيين الإسرائيليين، الذي طلب عدم الكشف عن هُويته: “لقد وضعوا سياسةً في سوريا لا تحظى بشعبيةٍ، حتى بالنسبة لأنصارهم، ومضوا فيها بقوةٍ؛ فقد انطلقوا في حملاتٍ عسكرية بعيداً خارج حدودهم وكانوا ناجحين. لقد قاموا بالتحوُّل 180 درجة من قوة حرب عصاباتٍ إلى قوة غازِية”.
ويُعَد هذا تطوُّراً كانت ترقبه إسرائيل، الجارة الجنوبية للبنان، بحذر.
وألحق حزب الله ضرراً بالجيش الإسرائيلي خلال حربٍ استمرت شهراً كاملاً في عام 2006. وظل الجيش الإسرائيلي يرصد كيف استخدم حزب الله دوره في سوريا لتكديس مستودعاته بصواريخ جديدة قصيرة ومتوسطة المدى من إيران.
ويقول مُحلِّلون ودبلوماسيون من المنطقة إنَّ القتال إلى جانب النظام السوري وكذلك حلفائه الأقوياء -القوات الجوية والمستشارين العسكريين الروس، بالإضافة إلى قوات الحرس الثوري الإيراني- يعني أيضاً أنَّ مقاتلي حزب الله لديهم الآن فهم أفضل كثيراً للجيوش النظامية، ولجمع المعلومات الاستخباراتية، واستخدام القوة الجوية.
فقد 1700 مقاتل في سوريا
وقال مسؤولون بالجيش الإسرائيلي في ديسمبر، إنَّ بحثاً أجروه على حزب الله أوضح أنَّ الحزب كان يمتلك قوةً قوامها 30 ألفاً، لكنَّه فقد أكثر من 1700 مقاتل في سوريا، أي أكثر من ضعف عدد المقاتلين الذين فقدهم الحزب خلال حرب 2006 مع إسرائيل.
لكنَّ المسألة الأكثر أهمية لإسرائيل، كما يقول أحد المسؤولين بالجيش الإسرائيلي، هي الدروس التي خرج بها حزب الله من ساحات المعارك في سوريا.
وأضاف: “إنَّهم يتعلَّمون. لا أدري إلى أي مدى قد يكون ذلك مفيداً في حربٍ مع إسرائيل، لكنَّ الخبرة أمرٌ مهم”.
وأثار هو ومسؤولون آخرون القلق من أنَّ صواريخ أرض-جو، والصواريخ الساحلية مثل الصواريخ الروسية من طراز “ياخونت”، أو صواريخ أرض-أرض قد تقع في أيدي الحزب.
ويقول حزب الله إنه ليست لديه نيةٌ في بدء حربٍ مع إسرائيل، وإنَّه سيتحرك فقط دفاعاً عن نفسه.
وحتى منتقدي حزب الله يرون أنَّ القيام بهجومٍ على إسرائيل أمرٌ غير مُرجَّح على المدى القصير؛ نتيجة تغيُّر الديناميات الإقليمية.
فقد أوجد حزب الله، وإيران، وباقي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران محوراً إقليمياً ذا نفوذٍ آخذٍ في التزايد بأرجاء الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب السورية في 2011.
وقد يؤدي بدء صراعٍ جديدٍ مع إسرائيل إلى عرقلة تلك الأهداف الاستراتيجية. ويقول مُحلِّلون إنَّ ذلك ربما يُفسِّر سبب عدم رد حزب الله على غارات إسرائيل المتواصلة ضد قوافل أسلحته المُشتَبَه فيها ومواقعه العسكرية داخل سوريا.
ويقول وائل الزيات، وهو مستشارٌ سابق لسامانثا باور حينما كانت تتولَّى منصب المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة، إنَّ الحسابات قد تتغيَّر إذا ما زاد الرئيس دونالد ترامب الضغط على إيران.
وقد فرضت إدارة ترامب بالفعل عقوباتٍ جديدة على كياناتٍ وشخصياتٍ إيرانية، وحذَّرت من أنَّها تُوجِّه “تحذيراً رسمياً” لطهران.
وقال الزيات: “إذا ما أصبح هذا الوضع مُتوتِّراً للغاية، فقد ترى إيران أو حزب الله يتحرَّكون إلى هناك (إسرائيل) كنوعٍ من تشتيت الانتباه… لتذكير الإدارة بأنَّهم قادرون على الثأر من الإسرائيليين”.
الضغط على دول المنطقة
وقد يمتد التهديد الذي يُشكِّله حزب الله على مصالح الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من إسرائيل. فقد أوجدت الروابط المتنامية بين حزب الله والتنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران في العراق، والمعروفة باسم “قوات الحشد الشعبي”، بصورةٍ عملية، قوةً مُتنقِّلة قد تسعى إلى مواصلة السيطرة على مقاليد القوة في المنطقة. ويمكن أن يكون لذلك تداعيات على الدول السُنِّية وحلفاء الولايات المتحدة، كالمملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى الحد من نفوذ إيران.
ويقول الزيات: “هل سيواصل حزب الله العمل خارج لبنان جنباً إلى جنبٍ مع القوات الموالية لإيران التي قد تُستَخدَم للصغط على حكوماتٍ أخرى في المنطقة، سواء كانت تلك الحكومة هي تركيا، أو السعودية، أو الأردن؟ لأنَّ ذلك هو ما أتوقع أنَّنا مُتَّجهون صوبه: أن تواصل قوات الحشد الشعبي، وحزب الله، والنظام السوري محاولة العمل مع الحرس الثوري الإيراني للحفاظ على نفوذهم، على طول الطريق من الحدود الإيرانية الفعلية إلى لبنان”.
وعلى الرغم من توسُّع نطاق تمدُّده، يقول مسؤولون في الجيش الإسرائيلي إنَّهم لم يروا سوى بعض نقاط الضعف القليلة في دفاعات حزب الله قرب الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
فقال المسؤول بالجيش الإسرائيلي، خلال المؤتمر الصحفي الذي جرى في ديسمبر، إنَّه “على الرغم من إنهاكهم في القتال بسوريا، فإنَّهم يُعزِّزون القوة باستمرارٍ ضد إسرائيل طوال الوقت. لا نراهم يتوقَّفون يوماً واحداً. وستُستخدم الأسلحة القادمة من سوريا إلى لبنان ضد إسرائيل”.
ويقول مسؤولٌ من المنطقة، طلب أن يُعرَّف فقط كعضوٍ في محور المقاومة، وهو المُصطَلح الذي يستخدمه المسؤولون الإيرانيون، والسوريون، ومسؤولو حزب الله لوصف أنفسهم وتصدِّيهم لإسرائيل، إنَّ الحزب المُسلَّح سيكون قوةً مختلفةً إذا ما واجه حرباً مع إسرائيل مرةً أخرى.
وأضاف: “إنهم يُدركون أنَّ حزب الله يمتلك قدراتٍ أفضل كثيراً من ذي قبل، وسيجعلهم ذلك يُفكِّرون مائة مرة قبل إشعال حربٍ. إنَّ حدودنا (اللبنانية-الإسرائيلية) مُستقرة، رغم أنَّ بلدينا صورياً لا تزالان في حالة حرب، وكلانا يرى الآخر”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ترجمة: هافينغتون بوست عربي