تمكنت تركيا من تجنب القيام برد فعل قوي تجاه موسكو خلال كل من الصراع بين روسيا وجورجيا في العام 2008، والصراع بين روسيا وأوكرانيا في العام 2014.
وفي عام 2008، استخدمت تركيا حق الفيتو لمنع حلف الناتو من إرسال أنظمة مجوقلة وأنظمة تحكم إلى القوقاز في استعراض الناتو لدعم جورجيا. كما تجنبت أنقرة أيضا مسألة العقوبات التي يقودها الغرب ضد موسكو بسبب ضم شبه جزيرة القرم، وكان رد الفعل التركي الرسمي على ضم القرم متوازنا، على الرغم من تقارب تركيا مع تتار القرم. كما رفضت أنقرة أيضا جهود زيادة قوات حلف الناتو في البحر الأسود.
وقد تغير كل هذا بعد أن انهارت العلاقات مع موسكو بعد اسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية على الحدود مع سوريا في شهر نوفمبر الماضي
وقد دفع رد فعل روسيا القوي، والذي تضمن فرض عقوبات اقتصادية ضد تركيا، ورفضها لمحاولات رأب الصدع في الأشهر التي تلت الحادث الحكومة التركية لاتخاذ اجراءات مضادة. وكانت الصورة الأكثر وضوحا لهذه الاجراءات في منطقة البحر الأسود.
وقد أدت التوترات بين أنقرة وموسكو إلى تعزيز التعاون الأمني التركي مع جورجيا، وخاصة مع أوكرانيا. فبالإضافة إلى الزيارات المتبادلة بين أنقرة وكييف، شهد ازدهار العلاقات التركية الأوكرانية زيادة في التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، فضلا عن تنظيم تدريبات مشتركة ومناورات بحرية في البحر الأسود. والأكثر من ذلك، بدأت سياسة تركيا في حلف شمال الأطلسي تجاه روسيا أيضا يظهر عليها علامات التغيير.
ويمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كانت هذه التطورات يمكن أن توفر فرصة للتحرك البسيط في الحوار الراكد بين تركيا وأرمينيا
قبل الشروع في الإجابة على هذا السؤال، قد يكون من المفيد أن نذكر أنفسنا بالوضع الراهن في العلاقات بين تركيا وأرمينيا.
منذ انهيار أهم محاولة لتطبيع العلاقات بين البلدين في العام 2009، ثبت أنه من الصعب على العاصمتين اللتين لازالا يفتقراإلى العلاقات الدبلوماسية، استئناف الحوار. ولم تظهر أرمينيا أي حماس لأية محاولة جديدة لتطبيع العلاقات بسبب خيبة الأمل التي منيت بها بسبب فشل البروتوكولات الموقعة لتطبيع العلاقات، وركزت جهودها في العام 2015، حيث ذكرى مرور مائة عام على مقتل أرمن الأناضول على أيدي العثمانيين.
وقد بدأت أذربيجان، التي لعبت دورا خطيرا في فشل بروتوكولات التطبيع، تستثمر أكثر في تركيا من خلال سياسات الطاقة وأنشطة الضغط. وقد عزز زيادة التعاون بين تركيا وأذربيجان من موقف أنقرة بتجنب أي خطوة جديدة مع أرمينيا على حساب باكو. وبالإضافة إلى ذلك، بدأت تركيا أيضا في التركيز على اتخاذ تدابير مضادة لعام 2015 في الذكرى المئوية. وأصبح من الواضح أنه لن يحدث شيئا ملموسا بين تركيا وأرمينيا حتى بعد العام 2015.
وينبغي أن يقال أن الذكرى المئوية في عام 2015 لم تؤد إلى مزيد من تدهور الأوضاع بين تركيا وأرمينيا. ولكن التغاضي عن إحياء الذكرى المئوية في عام 2015 ليس كافيا لكلا العاصمتين لاستئناف الحوار بينهما. والأكثر من ذلك، أدى ازدحام جدول أعمال تركيا الداخلي والخارجي إلى جعل مسألة تطبيع العلاقات مع أرمينيا في أسفل قائمة أولويات الحكومة
ولكن هل يمكن أن يكون تغير العلاقات بين تركيا وروسيا حافزا لأنقرة لاتخاذ خطوة؟ في الواقع، يبدو أن العلاقات الاقتصادية قد استفادت من هذا التوتر، فقد تضاعفت التجارة التركية الأرمنية ثلاث مرات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وفقا لمصادر أرمنية. كما زادت شركة أطلس، وهي شركة طيران تركية خاصة، من رحلاتها الى العاصمة يريفان، ويبدو أن هناك الآن محادثات حول المزيد من تسهيل أنشطة حجز التذاكر عبر الخطوط الجوية التركية من أجل إغراء المزيد من الركاب المسافرين من وإلى أرمينيا.
والأكثر من ذلك، تجري حاليا محادثات سرية غير رسمية بشأن نقل السفير التركي في العاصمة الجورجية تبليسي إلى أرمينيا، أو على الأقل فتح المعابر على الحدود بين البلدين في أيام معينة من الأسبوع.
فهل يمكن لهذه المحادثات غير الرسمية أن تؤدي إلى نتائج ملموسة؟ الإجابة أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك إلى حد كبير. أولا وقبل كل شيء، في الواقع لا يشجع التوتر الحالي مع روسيا تركيا نحو اتخاذ هذه الخطوة تجاه أرمينيا، لأن ذلك لن يأتي إلا بنتائج عكسية. حيث أن روسيا سوف تصبح عقبة رئيسية أمام أي محاولة للتطبيع.
ثانيا، سوف تتجنب تركيا الإقدام على هذه الخطوة دون موافقة من باكو، ولا يبدو أن ذلك سوف يحدث في الأفق في ظل عدم وجود انفراجة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان
بينما كان أحد الآثار الجانبية الإيجابية لعدم وجود أي تحرك على الصعيد السياسي هو تكثيف العمل غير الحكومي من خلال أنشطة المجتمع المدني. وأهم عامل في مسألة العلاقات بين تركيا و أرمينيا في الوقت الراهن هو الحقيقة القائلة أن الحكومتين لا تعارضان – بل حتى تشجعان – مثل هذه الأنشطة.
حرييت دايلي نيوز – إيوان24