يعترف الساعون الى إنزال المساعدات جواً في سوريا بأنه ليس خياراً مفضلاً. إنه معقد وخطر وباهظ التكاليف. غير أنه الملاذ الأخير بعدما أخفقت كل الجهود الديبلوماسية والسياسية في وقف الحرب، بل أن المجتمع الدولي الإنساني فشل في ايصال أبسط مقومات الحياة الى المدنيين السوريين.
تعكس الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية، ولو من طريق إسقاطها من الجو، جانباً قاتماً. ماذا أتى من السماء غير البراميل المتفجرة والموت طوال أكثر من خمس سنوات من الحرب مع نظام وحشي؟ جماعات إرهابية أكثر وحشية ومزيداً من القتل. العاملون على “تثبيت صمود” حكم الرئيس بشار الأسد والساعون الى التخلص منه لا يزالون يتحدثون عن حرب مفتوحة. يعبر هذا “التوافق” بين المتحاربين على استمرار النزاع السوري، وربما تصعيده، عن أبعاد متعددة. ثمة اتفاق حقيقي عالمي ومحلي على ضرورة دحر “الدولة الإسلامية – “داعش” و”جبهة النصرة” وتدميرهما باعتبارهما جماعتين إرهابيتين على صورة تنظيم “القاعدة”. بيد أن هذا الوضوح ظاهر أيضاً في الخلافات العميقة، ليس فقط على سبل القيام بذلك، بل أيضاً على تصنيف جماعات المعارضة المسلحة والمعارضة غير المسلحة.
تحتاج الصورة الى تكبير. تقود الولايات المتحدة تحالفاً دولياً – عربياً من 60 دولة بغية القضاء على هذه الجماعات الإرهابية. السعودية والإمارات وقطر والدول الخليجية الأخرى وتركيا جزء من هذا الجهد العسكري. يختلف حلفاؤها المحليون في العراق عمن هم في سوريا. الأكراد قاسمهم المشترك. المهم أنها تدعم بالمال والسلاح جماعات معارضة محلية سورية مختلفة لتحقيق هذا الهدف. هناك افتراق جوهري للغاية عن الجهد العسكري الذي تقوم به روسيا وايران. هاتان القوتان الدولية والإقليمية تركزان على المشاركة الفاعلة في حرب أوسع نطاقاً، ليس فقط ضد “داعش” و”النصرة” و”القاعدة”، بل أيضاً ضد تشكيلات أخرى مصنفة لديهما أيضاً ضمن الجماعات الإرهابية. “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” و”جيش الفتح” بعض هذه الكتائب. تقومان بذلك من طريق دعم القوات النظامية السورية بقيادة الأسد. تجندان أيضاً ميليشيات محلية أو غير محلية لهذه الحرب الضروس.
يبدو عصياً حتى الآن التوافق الأميركي – الروسي على تحديد جماعات المعارضة المسلحة وغير المسلحة وفصلها عن التنظيمات الإرهابية. مكّن هذا الخلاف الحكومة السورية من التمسك بأن غالبية الجماعات المسلحة ارهابية وغالبية الجماعات غير المسلحة معارضة. لا تعير اهتماماً لمساحات شاسعة فقدت السيطرة عليها. أما الخلاف العربي – الايراني فعميق للغاية. تجيش فيه العصبيات المذهبية والدينية، وأخطرها خصوصاً بين السنة والشيعة. فيما تحتدم الحرب داخل سوريا، لا يمكن تحييد المدنيين تماماً، ولكن ينبغي ايصال المواد الإنسانية، غذائية وطبية وغيرها، اليهم، ولو بإسقاطها جواً. التجويع من أجل التركيع يجب ألا يكون أداة حربية.
(النهار) – علي بردى