في خضم انشغال العالم بجائحة كورونا، أثارت الحرائق التي اندلعت في محيط محطة تشرنوبيل النووية الأوكرانية التي شهدت انفجارا كارثيا في ثمانينيات القرن الماضي، مخاوف من زيادة مستويات الإشعاع وانتشار المواد المشعة من جديد.
ففي 4 أبريل/نيسان الجاري اندلع حريق واسع امتد أكثر من أسبوع في منطقة غابات بالقرب من محطة تشرنوبيل للطاقة حيث وقعت أكبر كارثة نووية في التاريخ الحديث. ورغم أن الحرائق تمت السيطرة عليها كما أعلنت أوكرانيا ولم تشمل المحطة نفسها، فإن خطر انتشار الإشعاعات لا يزال قائما، حسب الخبراء.
فكيف يمكن أن تشكّل الحرائق التي اشتعلت في المنطقة العازلة حول المحطة خطرا إشعاعيا جديدا قد تمتد آثاره إلى مناطق واسعة في العالم؟
تشرنوبيل الكارثة النائمة
لفهم التداعيات المحتملة لهذه الحرائق، علينا العودة إلى فجر يوم 26 أبريل/نيسان 1986 عندما أدى فشل اختبار للسلامة كان المهندسون يقومون به إلى انفجار المفاعل رقم 4 في محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا التي كانت تتبع الاتحاد السوفياتي السابق.
وأدى الانفجار إلى تشتت واسع النطاق وغير مسبوق لأكثر من 100 عنصر مشع في المدن والبلدات المحيطة.
وخلال الأسابيع التي تلت الانفجار، لوثت العناصر المشعة، بما في ذلك البلوتونيوم واليود والسترونتيوم والسيزيوم، منطقة تبلغ مساحتها حوالي 150 ألف كيلومتر مربع (حوالي مساحة تونس) في روسيا البيضاء وروسيا وأوكرانيا.
كما اكتشفت هذه العناصر، التي تحملها الرياح، فيما بعد في مناطق بعيدة كالسويد وفنلندا وعبر نصف الكرة الشمالي.
وأجلت الحكومة السوفياتية آنذاك ما يقدر بنحو 200 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمحطة، وأنشأت منطقة عازلة حولها يبلغ قطرها 30 كيلومترا، وهي المنطقة التي نشبت الحرائق من حولها حديثا.
وتوقع العلماء أن تظل المنطقة غير صالحة للسكن لآلاف السنين بسبب تحلل العديد من العناصر المشعة كالسيزيوم 137 الذي له نصف عمر يبلغ 30 سنة، أي أن تحلل نصف كمية السيزيوم سيستغرق 30 عاما، ويتحلل نصف الكمية المتبقية منه خلال 30 عاما أخرى وهكذا.
لكن الاختبارات التي أجراها العلماء في محيط المنطقة العازلة للمحطة النووية، تظهر أن مستوى الإشعاعات ما زال أعلى من المتوقع نظريا، أي أن تركيز العناصر المشعة في تلك المناطق لا يزال مرتفعا جدا مقارنة بالمعدل العادي.
المخاوف الجديدة
ما يخشاه العلماء اليوم هو تطاير هذه العناصر المشعة التي يتراوح قطرها بين 10 نانومترا و20 ميكرومترا في الهواء من جديد بسبب الحرارة العالية الناتجة عن الحرائق المندلعة في المنطقة.
وقد تظل عالقة في الغلاف الجوي لأشهر أو سنوات، وقد تقوم التيارات الهوائية والرياح بحملها إلى مناطق بعيدة حيث تتساقط من جديد فيما يشبه الغبار النووي الذي يحدث عقب الانفجارات النووية.
ورغم إصرار الحكومة الأوكرانية على أن الحريق لم يتسبب في ارتفاع كبير في مستويات الإشعاع، فإن بعض المصادر أخرى تؤكد أن هذه المستويات قد زادت في الجو بحوالي 16 ضعفا.
لكن الأمطار التي هطلت يوم الثلاثاء وساهمت في إطفاء الحرائق، قد تساعد في تنقية الجو من الغبار الإشعاعي وتجنب انتشاره في مناطق أخرى.
نقلا عن الجزيرة