يتحدث متابعون عن استدارة أو انعطافة سياسية تركية، بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سان بطرسبورغ، ولقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويذهب الخيال ببعضهم إلى أن نتائجها ستتوج بتغيير موقف تركيا من المجرم بشار الأسد ونظامه، بل ونسج بعضهم شائعةً عن مدح أردوغان موقف الأسد من المحاولة الانقلابية، وهي ليست مجرد إشاعة، بل افتراء فاقع.
ويجري الربط بين زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنقرة، وما جرى بعد لقاء سان بطرسبورغ، لترتفع أسهم بورصة التكهّنات حول انعطافة تركية وشيكة في الأزمة السورية، تنهض على مقايضتها بعودة العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا، بناء على خلفية أن الاقتصاد كان الأكثر إضراراً بالطرفين منذ القطيعة بينهما، وكان العامل الحاسم في طي صفحة الخلاف بينهما، وذلك إذا علمنا أن حجم التبادل التجاري تراجع من حوالي 32 مليار دولار عام 2014 إلى ما يقارب 24 مليار دولار عام 2015، فيما يطمح الطرفان لرفعه إلى مئة مليار دولار بحلول عام 2023.
غير أن طرح الأزمة السورية على طاولة الحوار في لقاء أردوغان وبوتين، ثم ترحيل الحديث عنها إلى لجان ثلاثية، استخباراتية وعسكرية ودبلوماسية، يشير إلى صعوبة تحقيق توافق البلدين على رؤية مشتركة إزاءها، فالروس يدعمون نظام البراميل المتفجرة منذ بداية الثورة السورية، وقادهم ذلك إلى خوض حربٍ قذرة، إلى جانب المليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، ضد غالبية السوريين، من أجل حماية مصالحهم التي يرون تحققها في تثبيت نظام الأسد في المدى المنظور.
بينما اتخذت تركيا موقفا مناقضاً تماماً، بوقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوري، واحتضنت أطراف المعارضة السورية ودعمتها، وبالتالي، يشير هذا التباعد بين روسيا وتركيا إلى أنهما لن يصلا إلى أبعد من تنسيق المواقف واحتواء كل منهما الطرف الآخر، ولن يتجاوزا خلافاتهما الجوهرية حول آلية الحل للأزمة السورية، خصوصاً وأن تركيا ما زالت ترى المشكلة في الأسد، وأن الحلَّ في رحيله، بينما تصر روسيا على حمايته ومهاجمة كل أطياف المعارضة وحاضنتها الاجتماعية.
ويجري البناء على تغير الموقف التركي بالمقارنة ما بين موقف الغرب من المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/ تموز المنصرم، وموقفي كل من روسيا وإيران حيالها، لكنه بناء يقوم على مقايسة هشّةٍ ومتسرعة، ترى أن تغيير سياسات الدول ومواقفها يجري بشكل أوتوماتيكي، وله حسابات ثأرية وشخصية، الأمر الذي لا يصمد في تقاليد العلاقات الدولية التي تبنى على الخطط والاستراتيجيات، الضامنة للمصالح القومية.
صحيح أن تركيا شعرت بخيبة أمل، بل وصدمت من مواقف حلفائها الغربيين، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، حيال محاولة الانقلاب الفاشلة وما جرى بعدها، لكن ذلك لن يدفعها إلى تغيير تحالفاتها وتوجهاتها، بل بناء علاقات متعدّدة المحاور ومتوازنة، بما قد يفضي إلى بناء علاقاتٍ أكثر قوة مع روسيا، الأمر الذي يشكل ضربةً جديدةً وقويةً للإدارة الأميركية الحالية التي باتت تخسر مزيداً من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المفيد التذكير بأن الأولوية التركية في الأزمة السورية مبنية على مصالحها وأمنها القومي الذي بات مهدداً بعد إقامة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في سورية كانتونات كردية في الشمال السوري، وفق مشروع انفصالي، مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، وبالتالي، فإن تركيا تريد من روسيا وقف دعمها له، وهو أمر تلاقي به إيران تركيا، من جهة رفضهما قيام أي كيان كردي في سورية. لذلك، انحصر التوافق التركي الإيراني، في زيارة ظريف أنقرة، في وحدة سورية، وفي “ضرورة مكافحة الإرهاب”، وهما نقطتان تتصلان أساساً بالمسألة الكردية، فيما يبقى الخلاف كبيراً في مواقف البلدين حيال جوهر الأزمة السورية وأصلها، وهو رحيل الأسد. لذلك أكد الرئيس أردوغان، في حديثه لصحيفة لوموند الفرنسية، قبل يوم من زيارته سان بطرسبورغ أن “لا حل للأزمة السورية مع بقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المسؤول عن مقتل 600 ألف مواطن سوري”.
ويمكن القول إن زيارة الرئيس التركي سان بطرسبرغ نجحت في إعادة وصل ما انقطع من علاقات مع روسيا، بعد أزمة استمرت أكثر من تسعة أشهر، وصاحبها ليونة في الخطاب التركي حيال الحل السياسي في سورية، وذلك لحثّ بوتين على البحث الجدّي عن ممكنات هذا الحل، خصوصاً وأن معركة فك الحصار عن حلب أظهرت للروس وللإيرانيين ومليشياتهم أن موازين القوى على الأرض تغيرت، وأن سعيهم إلى حل عسكري غير مجدٍ، ومستحيل التحقق، وبالتالي، فإن مسارعة وزير الخارجية الإيراني إلى زيارة أنقرة أشارت إلى أن ملالي إيران، ومن خلفهم نظام الأسد، هما أكثر الجهات قلقاً من أي تقارب تركي وروسي.
ويبقى أن أهمية التقارب التركي الروسي تكمن في تسخيره التوافق على حل سياسي إقليمي دولي، تشترك فيه تركيا وروسيا والسعودية وقطر، ولا مانع من إشراك إيران، إن جنحت نحو الحل السياسي، ولن يكتب له النجاح، إلا بمباركة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لكن ذلك يبدو، في المدى القريب، صعب المنال في غياب الإدارة الأميركية المشغولة بحملات الانتخابات الرئاسية فيها.
العربي الجديد – عمر كوش