“الله يعطينا خير هالمنام” هذا ماقالته بسمة عندما استيقظت في صباح ذلك اليوم الذي بدا هادئا على الرغم من مرور الطائرات الحربية فوق سماء مدينة ادلب.
و بعد أن تناولت مع زوجها وأطفالها طعام اﻹفطار، خرج زكريا مع والده ليوصله لمدرسته، و أوصاه أن يحضر له بعض الحلوى حين عودته من العمل.
كانت بسمة قد بدأت بتحضر طعام الغداء عندما سمعت هدير الطائرة و بعدها صوت الصاروخ، إنها غارة روسية على المدينة بدأت تتصل بزوجها ولكن بدا الهاتف اﻷرضي مقطوعا، و اطمأنت على ابنها ثم اتصلت بأحمد شقيق زوجها ليبحث عنه.
اختلط صراخ الخوف والذعر بين الأطفال والنساء والرجال بأصوات سيارات الإسعاف و الإنذار في الشوارع والطائرات الروسية التي لم تغادر سماء المدينة.
“كل من يذهب لعمله في ادلب يحمل روحه على كفه” كما يقال فالهدنة مع النظام الغادر يعلم جميع سكان ادلب أنها كاذبة فالنظام لم يلتزم بأي هدنة منذ زمن بعيد.
أغلب الآباء أو الأمهات كانوا قد توجهوا للمدارس لأخذ أولادهم خوفا عليهم من الطيران الروسي الذي يستهدف التجمعات أيا كانت فلا حرمة لديه ” مسجد أو مدرسة أو سوق أو غيره من الأماكن المكتظة بالمدنيين”.
بدا الحزن والخوف على ملامح وجه زكريا الصغير عندما سمع صوت الطائرة تحلق في السماء وبدأت إدارة المدرسة بإرسال جميع الطلاب إلى بيوتهم، لم يأت والده ليأخذه كعادته من المدرسة، سألته المعلمة لماذا لم تنصرف يا زكريا ؟
أجابها وبصوت مبحوح وبدموع تخنقه، سيأتي أبي لاصطحابي إلى المنزل. مرت ساعة ولم يأت والده، وأخيرا جاء عمه أحمد و الحزن باديا على وجهه، شعر زكريا بأن عمه أخبر المعلمة شيئا أحزنها و أدمع عيناها.
بقي زكريا صامتا ولم يسأل عمه عن والده لما رآه من حزن ورعب على وجوه كل من حوله، لم يصطحبه عمه لمنزله بل إلى بيت جده، هنالك تجمع العشرات من الرجال خارج المنزل تساءل في عينيه ما الذي يحصل؟؟
بدأت يداه الصغيرتان ترتجفان وقدماه لا تكاد تحملاه على متابعة المسير، ليصل أخيرا ويعثر على والدته بين جموع الناس، ازداد بكاء والدته حينما رأت طفولته البريئة تنهار أمام جثمان والده، وعندما رأى والده غارقا بدمائه، ضم والده وبدأ يبكي بحرقة و يقول” والله يابابا ما بحسن عيش بدونك”.
كانت أخته الصغيرة تقف بعيدة خائفة من الدماء التي كانت تغطي والدها، انتفض زكريا حينما رآها تبكي وصرخ لها محاولا مواساتها “تعالي لا تخافي من الدم مو هيك قال بابا، لا تحزني أبونا شهيد سبقنا إلى الجنة، هيا نقرأ له القرآن”.
لم يكن عمر الوحيد الذي استشهد في مجزرة المحكمة الشرعية و ترك وراءه أرملة وأطفال في مهب الحرب التي تبدو لا نهاية لها، بل كان هناك المئات من الأطفال الذين انتظروا والدهم أو والدتهم في ذلك اليوم ولم يعودوا، انتظروا أن يحمل لهم آباؤهم ألعابا وحلوى يحبونها.
مجزرة المحكمة الشرعية في مدينة ادلب رسخت في أذهان سكان المدينة كبارها و صغارها صورا لأشلاء وجثث الضحايا و دمارا لا يمكن للدهر أن يمسحه من ذاكرتهم، فهناك الكثير من الأطفال الذين حرموا من ذويهم، ونساء فقدن أزواجهن و أهالي فقدوا أولادهم حيث بلغ عددهم حوالي مئة شهيد.
كان 20/ديسمبر/2015 يوما مرعبا لمن بقي حيا في مدينة ادلب، في ذلك اليوم كانت تتمنى بسمة أن تكون المجزرة مجرد كابوس رأته في المنام فقط.
المركز الصحفي السوري – سلوى عبد الرحمن