تصاعد الأحداث في الداخل الإيراني يكشف عن هشاشة أمنية في دولة ثيوقراطية ظلت ترسخ صورة ذهنية متكررة حول ثباتها ومعافاتها من أي خلل يمكن أن يسهم في تصدع الدولة، وهكذا فإن مستصغر الشرر يكفي لفضح تلك الصورة الهلامية لتكشف عن معاناة تطال جميع الإثنيات سواء كانوا عربا في الأحواز أو أكرادا في الشمال الغربي، وذلك بغض النظر عن المعاناة عن التي يعانيها بقية السنة في المدن الإيرانية والشيعة الذين يرفضون منهج الحكم الحالي.
حين اشتعلت مدينة مهاباد، ذات الغالبية الكردية، بمظاهرات غاضبة، نتيجة لانتحار الفتاة فرناز خسرواني برمي نفسها من الطابق الرابع للفندق الذي تعمل موظفة استقبال فيه، بعد أن حاول ضابط اغتصابها، ولنا تجربة غير بعيدة لواقعة مماثلة انتهت بإعدام فتاة انتصرت لشرفها من ضابط آخر، ما يضعنا أمام كرة ثلج تكبر في ظل دولة لطالما استعصمت بقبضتها الأمنية، وتفرغت لإشعال الحرائق لدى جيرانها والعبث بأمنهم وسلامهم الداخلي.
ربما لا تكون هناك نتائج فورية لما حدث قياسا بإرهاب الدولة الذي يمارس بحق المحتجين، ولكن الانفجار قد حدث، وعلى إيران أن تستعد للتالي من خلال انتفاضة أصبحت أكثر من خيار أمام المقهورين داخلها، ليرتد غرسها التخريبي إليها من داخلها، فالشعوب حين تثور وتثأر لكرامتها التي تدوسها أقدام الطغيان من الصعب أن تتوقف، ولذلك يمكن أن يكون ما حدث بذرة في أرض الثورة المضادة، أو بداية لطوفان محتمل.
مثل هذه الظواهر الاجتماعية التي تشتعل وسط الشعوب والقوميات تصبح أمرا ضاغطا على الأعصاب السياسية للنظام الحاكم، وإيران اعتادت الاستبداد في تعاطيها مع مهدداتها الداخلية، ولذلك يتوقع أن تصب مزيدا من الزيت على الهياج الشعبي الذي حدث في الأحواز ومناطق الأكراد، فهناك مظالم تاريخية كانت بانتظار مثل هذه اللحظة التي توفر الطاقة الثورية والحركية الضرورية للتغيير.
بدأت إيران النهاية من الناحية النظرية حتى وإن كان هناك تحرك على الأرض، وإلى أن يتشكل في إطار حركي منظم وبقيادة توظف هذا الحراك التاريخي ضد الدولة، فذلك لم يحدث منذ قيام الثورة الإسلامية التي متّعت نفسها بغلاف استبدادي يمنع أي صراع داخل الدولة الإيرانية ويكتم أي تحرك من الجهات المخالفة لمبادئ الثورة، فحكمت بالحديد والنار ما جعلها تستمتع باستقرار نسبي، لم يكن له أن يصمد أمام المظالم التي تراكمت بمثل هذا السلوك السياسي والأمني.
حادثة مهاباد -وقبلها الأحواز – تؤرخ لانتقال في استقرار الدولة الإيرانية، وتؤسس لتحول نوعي وجوهري في مواجهة السلطة التي لا تمتلك بدورها غير الحلول الأمنية، ولذلك من المرجح إذا تطورت الحالة المناهضة لها في أكثر من مدينة بما فيها طهران نفسها، أن تدخل إيران حالة غيبوبة سياسية لأنها لم تضع في حساباتها أن تواجه غليان كالذي حدث، خاصة وأن الحوادث البسيطة التي كانت شرارة الغضب تكشف عن انهيار في قيم الدولة.
لا نتعجل القفز إلى تقييم مدى الحراك ونتائجه، ولكن هناك تغيرا حقيقيا في وعي الإيرانيين تجاه السلطة لم يعد يسلّم بالأمر الواقع، وطالما تحرك الشعب فإنه ربما لن يتوقف، كما لن تتوقف الدولة عن جلده بالسياط الأمنية وذلك كفيل باستمرار المواجهات وبعدها الانفجار، فآخر ما تحتاجه إيران هو غليان في داخلها يشتت انتباهها عن خططها الكبيرة لاستنزاف جيرانها واستثمار متاعب غيرها بما يخدم تمددها غير المشروع في المنطقة، وبدلا من أن تهدد أمن المنطقة فهي أصبحت تواجه مهدداتها، وعليها أن تنكفئ على داخلها وتتوقف عن إيذاء غيرها، فالنتيجة خاسرة ولا شك إذا استمرت على هذا النهج.
العربسكينة المشيخص